للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعلوم أن الحوادث الحادثة هي مختلفة الأجناس، متعاقبة في الوجود، فالأجناس الحادثة المختلفة، إذا قدر أن حال الفاعل لها لم يزل على حال واحدة، لا يقوم به فعل ولا وصف، بل هو واحد بسيط، امتنع أن يختلف حاله في الإحداث، وأن يحدث شيئاً بعد أن لم يكن أحدثه، كما يقولون هم ذلك، ويجعلونه عمدتهم في قدم العالم، وامتناع أن تحدث عنه الأنواع المختلفة الحادثة شيئاً بعد شيء، وهو في نفسه لم يتجدد له حال ولا فعل، ولا حكم ولا وصف، ولا شيء من الأشياء؟

وهم أنكروا على المتكلمين نفاة الفعل الاختياري القائم به أن يحدث عنه شيء بلا سبب حادث، وقالوا: إن هذا مخالف لصريح العقل.

فيقال لهم: الباطل بعض قولكم، وإذا كان حدوث بعض الحوادث عن هذا ممتنعاً، فحدوث الحوادث المختلفة دائماً عن علة تامة، لم يحدث فيها ولا منها شيء، أعظم امتناعاً من قول هؤلاء.

وأيضاً فالحادث لا يحدث حتى يحصل الفعل التام المحدث له، والممكن لا يحصل حتى يحصل الموجب التام المرجح له، والموجب التام يستلزم موجبه ومقتضاه، فكل من الحوادث الممكنات ما حدث ووجد حتى حصل له الموجب التام، وذلك الموجب التام لا بد له من موجب تام، وهلم جراً.

فيلزم أ، يحصل لكل من الحوادث موجبات تامة لا نهاية لها في آن واحد.

وذلك تسلسل في العلل والمؤثرات، وهو باطل باتفاق العقلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>