للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال لكم: التسلسل الممتنع هو التسلسل في العلل، وفي تمامها.

أما تسلسل في الشروط أو الآثار: ففيه قولان للمسلمين.

وأنتم قائلون بجوازاه.

فنقول: إما أن يكون هذا التسلسل جائزاً أو ممتنعاً، فإن كان ممتنعاً امتنع تسلسل الحوادث، ولزم أن يكون لها أول، وبطل قولكم بحوادث لا أول لها، وأمتنع كون حركات الأفلاك أزلية، وهذا يبطل قولكم.

ثم نقول: العالم لو كان أزلياً، فإما أن يكون لا يزال مشتملاً على حوادث: سواء قيل، إنها حادثة في جسم أو عقل، أو يقال: بل كان في الأزل ليس فيه حادث، كما يقال: إنه كان جسما ساكناً، فإن كان الأول لزم تسلسل الحوادث، ونحن نتكلم على تقدير امتناع تسلسلها، فبطل هذا التقدير، وإن كانت الحوادث حدثت فيه بعد أن لم تكن، لزم جواز صدور الحوادث عن قديم لم يتغير، وهذا يبطل حجتكم، ويجوب جواز حدوث الحوادث بلا حدوث سبب.

وإن قلتم: إن التسلسل في الآثار جائز ـ وهو قولكم ـ بطل استدلالكم بهذه الحجة على قدم شيء من العالم، فإنها لا تدل على قدم شيء بعينه من العالم، وإنما تدل على وجود دوام كون الرب فاعلاً.

فيقال لكم حينئذ: لم لا يجوز أن تكون الأفلاك، أو كل ما يقدر موجوداً في العالم، أو كل ما يحدثه الله: موقوفاً على حادث بعد حادث، ويكون مجموع العالم الموجود الآن كالشخص الواحد من الأشخاص الحادثة؟

فتبين أن احتجاجكم على مطلوبكم باطل، سواء كان تسلسل الحوادث جائزاً أو لم يكن، بل إذا لم يكن جائزاً بطلت الحجة، وبطل المذهب المعروف عندكم،

<<  <  ج: ص:  >  >>