للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: علمه بذاته لا يمكن أن يكون فعلياً، وإنما يكون فعلياً علمه بخلقه.

فإن علمه له تأثير في فعل خلقه، وليس له تأثير في وجود نفسه، وهذا مما لا ينازع فيه عاقل فهمه، ولعله ما أراد إلا هذا.

فإن القدرية من أهل الكلام يقولون: العلم تابع للمعلوم، مطابق له، لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة.

وكثير من المتفلسفة يقولون: علم الرب فعلي، وقد يجعلون نفس علمه إبداعه.

وقد بسطنا الكلام على هذا في موضع آخر، وبينا أن العلم نوعان: علم العالم بما يريد أن يفعله، فهذا علم فعلي، هو شرط في وجود المعلوم، إذ وجود المعلوم بدونه ممتنع.

ومذهب أهل السنة أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها، فعلمه فعلي لجميع المخلوقات بهذا الاعتبار، لا باعتبار أن مجرد العلم هو الإبداع، من غير قدرة وإرادة، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة، فإن هذا باطل، كما قد بين في موضعه.

والقدرية عندهم أن الله يخلق أفعال العباد، فعلمه بها علم بأمر أجنبي منه، فلهذا لا يجعلون علمه بالمخلوقات فعلياً، لكن علمه بمخلوقاته لا ينازعون فيه.

وأما علم العالم بما ليس علمه به شرطاً في وجوده، كعلمنا بالله وملائكته وأنبيائه وسمواته وأرضه، فهذا علم تابع للمعلوم، مطابق له، ليس فعلياً بوجه من الوجوه.

وعلم الرب بنفسه من هذا الباب.

لكن إذا سمي علمياً انفعالياً فلا بأس، فإنه علم حادث.

وأما علم الرب تعالى فإنه من لوازم نفسه المقدسة

<<  <  ج: ص:  >  >>