للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له بدائع مائسات الأعطاف، مستعذبات الجنى والقطاف، تتنسمها زهر كمام، وتتوسمها بدر تمام، وترودها روضة ممطورة، وتراها على الأحجاز مجبولة مفطورة، وتخالها كواعب في خيام الأفهام مقصورة، وتثنيها إليك أفناناً بأيدي الأذهان مهصورة، مع تفاوت معلواته، وتهافت أدواته، وكرمه المنسجم الغمائم، وهممه السامية مذ نيطت عليه التمائم، فمن ذلك رقعة خاطبني بها، يا سيدي أبا النصر، المعي العصر مثني الوزارة، وسنّي الإمارة، كيف أساجلك في الأدب، وأنت تملأ الدلو إلى عقد الكرب، وأنا أمتاح من وشل، وأستنجد بفشل، وأستعين بنفس شعب الدهر اجتماعها، وقصر باعها، وأخملها عظيمة كريمة، عندما أظهر سواها لئيمة ذميمة، وهي الأيام، حربها الكرام، ولا أبعد، وأنت الماجد الأصيد، تخلفك في ما تعد، والدول تتقوّل لو حلّى عاطل أجيادنا، وتولى تصريف أنجادنا وجيادنا، لكان إشراقنا يروق، كما طلعت البروق، فهي تعترف، والحظ لا ينصف، وعساها تلين، ولعلّ إسعادها يبين، فنستنجز للحظوة وعدا، ونرد لنداك ماء عدا، إن شاء الله، ووافيت بلنسية صادرا عن سرقسطة فكتب إليّ مستدعياً فسرت إلى مجلس منضّد بالآس، مشيّد بالإيناس، معزّز الجلاّس، معطّر الأنفاس، فبتنا ندير الأنس ونتعاطاه، وقد وسد السرور خدودنا أبردي أرطاه، فلما كان من الغد كتب إليّ. واحدي أبا النصر مثني الوزارة كيف أستسقي لموضع احتلالك، وحسبه صوب نوالك، وأمتري الغمام لمنازلك، وكفاها فيض أناملك، ترسل من نوافلها دررا، وتنظم في لبّات الزمان من محاسنها دررا، قسما لولا وقفة، حنّت عليها من وداعك عطفة، انتهزتها مولعاً بحلال صبّا، وقد يوخد العلق الممنّع غصبا، ما لاح للأنس علم، ولا سكن لنواك ألم، فإنّما ألمعت بساعات قربك إلماعا، ملأت بها عيوناً وأسماعا، ومددت فيها للأدب والبحث باعاً وساعا، لم تمتع بحظّها حتى جعلت تسليمها وداعا، فلئن رحلت فإنّ هذه نفوس تشيّع، وقلوب تذوب فتدمع، وما هي أبا نصر إلا بديهة خاطر، في التعرض لك مخاطر، أرجو لكفّ شباة نقدك، عنها فضل ودّك، ولمأمول أغضائك، باهر علائك، فلا زالت حلاك رائقة، وعلاك شائقة، إن شاء الله.

الوزير الكاتب أبو محمد بن عبدون رحمه الله تعالى

<<  <   >  >>