للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليلة تمامه، فجاء من القول بسحر، وقلده أبهى نحر، لم يصرفه إلا بين ريحان وراح، ولم يطلعه إلا في سماء موانسات وأفراح، ولا تعدى به الرؤساء والملوك، ولا تردى منه إلا حظوة الشمس عند الدلوك، فشرف بضائعه، وأرهف بدائعه وروائعه، وكلفت به تلك الدولة حتى صار ملهج لسانها، وحل من عينها مكان إنسانها، وكان له مع أبي الوليد بن جهور تألف أحراما بكعبته وطاف، وسقياه من تصافيهما نطافا، وكان يعتد ذلك حساما مسلولا، ويظن انه يرد به صعب الخطوب ذلولا، إلى أن وقع له طلب أصاره إلى الاعتقال: وقصره عن الوخد والأرقال: فاستشفع بأبي الوليد وتوسل، واستدفع به تلك الأسنة المشرعة والاسل، فما ثنى إليه عنان عطفه، ولا كف عنه استنان صرفهن فتحيل لنفسه، حتى تسلل من حبسه، ففر فرار الخائف، وسرى إلى إشبيلية سرى الخيال الطائف، فوافاها غلسا قبل الإسراج والإلجام، ونجا براس طمرة ولجام، فهشت له الدولة، وتاهت به الجملة، فأحمد إليها فراره، وأرهفت النكبة غراره، وحصل عند المعتضد بالله كالسويداء من الفؤاد، واستخلصه المعتصم لابن أبي داود، والتقى بيده مقاد ملكه وزمامه، واستكفى به نقصه وإبرامه، فأشرقت شمسه وأنارت، وأنجدت محاسنه وغارت، ومازال يلتحف بخطوته، ويقف بربوته، حتى أدركه حمامه، ولقي السرار تمامه، فأجن منه التراب شمسا طالعة، وزهرة يانعة، وقد أثبت من مقاله، في سراحه واعتقاله، ومقامه وانتقاله، ما هو أرق من النسيم، وأشرق من المحيا الوسيم، فمن ذلك ما قاله متغزلا. سريع

يا قمرا مظلعه المغرب ... قد ضاق بي في حبك المذهبُ

ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت فأصفح أيها المذنبُ

وأن من أغرب ما مر بي ... أن عذابي فيك مستعذبُ

ورحل من كان يهواه، وفاجاه بينه ونواه، فسايره قليلا وماشاه، وهو يتوهم ألم الفرقة حتى غشاه، فاستعجل الوداع، وفي كبده ما فيها من الانصداع، فأقام يومه بحالة المفجوع، وبات ليلته نافر الهجوع، يردد الفكر، ويجدد الذكر، فقال: رمل

ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك

يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك

يا أخا البدر سناء وسنا ... حفظ الله زمانا أطلعك

<<  <   >  >>