للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُرْتَدًّا، وَلَمْ يُسَمُّوا مَنِ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَارَبَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُرْتَدًّا، مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي وَسِلْمُكَ سِلْمِي، وَمُحَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ)) .

وَالْجَوَابُ بَعْدُ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ الْمُفْتَرِينَ، أَتْبَاعِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ بَرَزُوا بِمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَمَرَقُوا مِنَ الْإِسْلَامِ وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَوَلَّوْا أَهْلَ الرِّدَّةِ وَالشِّقَاقِ، فَإِنَّ هَذَا الْفَصْلَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ يُحَقِّقُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عنه - وحزبه، مِنْ جِنْسِ الْمُرْتَدِّينَ الْكُفَّارِ، كَالْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اليمامة هم بنوا حَنِيفَةَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَقَالَ: إِنْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ لِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ آمَنْتُ بِهِ. ثُمَّ لَمَّا صَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَشَهِدَ لَهُ الرَجَّال بْنُ عُنْفُوة. وَكَانَ قَدْ صَنَّفَ قُرْآنًا يَقُولُ فِيهِ: ((وَالطَّاحِنَاتُ طَحْنًا، فَالْعَاجِنَاتُ عَجْنًا، فَالْخَابِزَاتُ خَبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قريش نصفين ولكن قريش قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ)) . وَمِنْهُ قَوْلُهُ لَعَنَهُ اللَّهُ: ((يَا ضِفْدَعُ بِنْتُ ضِفْدَعِينَ، نِقِّى كَمْ تَنِقِّينَ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ. وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ. رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينِ)) . وَمِنْهُ قَوْلُهُ لَعَنَهُ اللَّهُ: ((الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلٌ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا الْجَلِيلِ)) وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْهَذَيَانِ السَّمِجِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لقومه لما قرؤوه عَلَيْهِ: ((وَيْلَكُمْ أَيْنَ يَذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ، إِنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يخرج من إله)) .

وَكَانَ هَذَا الْكَذَّابُ قَدْ كَتَبَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ أُشركت فِي الْأَمْرِ مَعَكَ)) . فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ)) . فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَاتَلَهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بَعْدَ أَنْ قاتل خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّ، الَّذِي كَانَ أَيْضًا قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَاتَّبَعَهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَلَمَّا نَصَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَزَمُوهُمْ، وقُتل ذَلِكَ الْيَوْمَ عُكاشة بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ طُلَيْحَةُ الْأَسَدِيُّ هذا، ذهبوا بعد

<<  <   >  >>