للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْعَدَدُ فِي الْخَمْرِ فَقَدْ ضَرَبَ الصَّحَابَةُ أَرْبَعِينَ، وَضَرَبُوا ثَمَانِينَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عن علي ّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: ((وكُلٌّ سُنَّة)) (١) .

(فَصْلٌ)

قَالَ الرَّافِضِيُّ: ((وَكَانَ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْكَامِ: أَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ كَانَ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَلَا سَبِيلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا. فَأَمْسَكَ. وَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً، فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُ عُمَرُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عليٌّ بِحَمْلِهَا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْإِمَامُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلْقَتْلِ أَوِ الرَّجْمِ حَامِلٌ، فعرَّفه بَعْضُ النَّاسِ بِحَالِهَا، كَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ إِخْبَارِهِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ المغيَّبات، وَمِنْ جِنْسِ مَا يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ الشُّهُودُ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ غَابَ عَنْهُ كَوْنُ الْحَامِلِ لَا تُرْجَمُ، فَلَمَّا ذكَّره عَلِيٌّ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَمْسَكَ. وَلَوْ كَانَ رَأْيُهُ أَنَّ الْحَامِلَ تُرْجَمَ لَرَجَمَهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى رَأْيِ غَيْرِهِ. وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغَامِدِيَّةِ، لَمَّا قَالَتْ:

((إِنِّي حُبْلَى مِنَ الزِّنَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِيهِ)) (٢) . وَلَوْ قدِّر أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى عَرَفَهُ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيهِ، لِأَنَّ عُمَرَ سَاسَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، يُعْطِي الْحُقُوقَ، وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ. وَفِي زَمَنِهِ انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ، وَظَهَرَ ظُهُورًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ، وَهُوَ دَائِمًا

يَقْضِي ويُفتى، وَلَوْلَا كَثْرَةُ عِلْمِهِ لَمْ يُطق ذَلِكَ. فَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ قَضِيَّةٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ قَضِيَّةٍ ثُمَّ عَرَفَهَا، أَوْ كَانَ نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا، فَأَيُّ عَيْبٍ في ذلك؟!

وعلي ّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ.


(١) انظر صحيح مسلم ج٣ ص١٣٣١ -١٣٣٢ وسنن أبي داود ج٤ ص٢٢٨.
(٢) انظر مسلم ج٣ ص١٣٢٣ وسنن أبي داود ج٤ ص٢١٢ -٢١٣.

<<  <   >  >>