للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقرب إلى العدوّ منا)) (١) .

وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ - يَتَّقُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - لأنه أَشْجَعُ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَدْ قَتَلَ بِيَدِهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم -.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَشْجَعَ الناس، ولم يكن بعد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْجَعَ مِنْهُ. وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِمْ، حَتَّى أَوْهَنَتِ الْعُقُولَ، وَطَيِّشَتِ الْأَلْبَابَ، وَاضْطَرَبُوا اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوَيِّ الْبَعِيدَةِ الْقَعْرِ، فَهَذَا يُنْكِرُ مَوْتَهُ، وَهَذَا قَدْ أُقعد، وَهَذَا قَدْ دُهش فَلَا يَعْرِفُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ وَمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ يَضِجُّونَ بِالْبُكَاءِ، وَقَدْ وَقَعُوا فِي نُسْخَة

الْقِيَامَةِ، وَكَأَنَّهَا قِيَامَةٌ صُغْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى، وَأَكْثَرُ الْبَوَادِي قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، وَذَلَّتْ كُمَاتُهُ، فَقَامَ الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَلْبٍ ثَابِتٍ، وَفُؤَادٍ شُجَاعٍ، فَلَمْ يَجْزَعْ، وَلَمْ يَنْكُلْ، قَدْ جُمع لَهُ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: ((مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حيٌّ لا يموت)) .

فَالشُّجَاعَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنِ الْإِمَامِ لَمْ تَكُنْ فِي أحدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلَ مِنْهَا فِي أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ. وَأَمَّا الْقَتْلُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ غَيْرَ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ قَتَلَ مِنَ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ مِمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ، فَإِنْ كَانَ مَنْ قَتَلَ أَكْثَرَ يَكُونُ أَشْجَعَ، فَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشْجَعُ مِنْ عَلِيٍّ، فَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ - أَخُو أَنَسٍ - قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ مُبَارَزَةً، غَيْرَ مَنْ شُورِكَ فِي دَمِهِ. وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَلَا يُحْصِي عَدَدَ مَنْ قَتَلَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَقَدِ انْكَسَرَ فِي يَدِهِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قَتَلَ أَضْعَافَ مَا قتله عليّ.

(فَصْلٌ)

قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((بِسَيْفِهِ ثَبَّتَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَتَشَيَّدَتْ أَرْكَانُ الدِّينِ)) .

فَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ الْإِسْلَامَ، بَلْ سَيْفُهُ جُزْءٌ من أجزاء كَثِيرَةٍ، جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَسْبَابِ تَثْبِيتِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا الْإِسْلَامُ لَمْ يَكُنْ لِسَيْفِهِ فِيهَا تَأْثِيرٌ، كَيَوْمِ بدر: كان سيفا من سيوف كثيرة.

[(فصل)]

وأما قوله: ((ما انهزم قط)) .


(١) البخاري ج٤ ص ٣٩ وأماكن أُخر ومسلم ج٤ ص ١٠٨٢.

<<  <   >  >>