للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلِيٌّ: كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُوَكَ رجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أخذتها منه، وأنا أدعوك إِلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ عَمْرٌو:

لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. قَالَ: أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ. قَالَ عَلِيٌّ: بَلْ أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ فحَمِيَ عَمْرٌو، وَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَتَجَاوَلَا، فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَانْهَزَمَ عِكْرِمَةُ، ثُمَّ انْهَزَمَ بَاقِي الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ. وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَتْلُ عَلِيٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ)) .

وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَيْنَ إِسْنَادُ هَذَا النَّقْلِ وَبَيَانُ صِحَّتِهِ؟

ثُمَّ يُقَالُ: ثَانِيًا: قَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَيْضًا عِدَّةُ أكاذيب. منها قوله: إن قريشا وكنانة وتهامة كَانُوا فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَالْأَحْزَابُ كُلُّهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَمِنْ أَهْلِ نَجْدٍ: تَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ، وَمِنَ الْيَهُودِ: كَانُوا قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ. وَالْأَحْزَابُ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهَا، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا. وَأَهْلُ نَجْدٍ: تَمِيمٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ. وَالْيَهُودُ بَنُو قُرَيْظَةَ.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رَكِبَا، وَدَخَلَا مِنْ مضيق في الخندق.

وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَمْرًا لَمَّا قُتِلَ وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ.

هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَارِدِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ بَقُوا مُحَاصِرِينَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمْ وَالْيَهُودُ، حَتَّى خَبَّبَ بَيْنَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ: رِيحَ الصَّبَا، وَالْمَلَائِكَةَ من السماء.

كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظَّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} (١) . إلى قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (٢) .

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا فِيهَا، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا رَدَّهُمُ اللَّهُ بِقِتَالٍ. وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ والتفسير والمغازي والسير والتاريخ.


(١) الآيات ٩ - ١٢ من سورة الأحزاب.
(٢) الآية ٢٥ من سورة الأحزاب.

<<  <   >  >>