للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِدٍ، وَالشَّكُّ فِي مَحَبَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَأَشَدَّ، وَمِنَ الرَّافِضَةِ مَنْ يُنْكِرُ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَدْفُونَيْنِ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُ غُلَاتِهِمْ يُنْكِرُ أَنَّ يَكُونَ هُوَ صاحبه الذي مَعَهُ فِي الْغَارِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بُهْتَانِهِمْ بِبَعِيدٍ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَوْمُ بُهْتٍ، يَجْحَدُونَ الْمَعْلُومَ ثُبُوتَهُ بِالِاضْطِرَارِ وَيَدَعُونَ ثُبُوتَ مَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ بالاضطرار في العقليات والنقليات.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: ((اسْتَصْحَبَهُ حَذَرًا مِنْ أن يظهر أمره)) .

كلام من هو أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَا وَقَعَ؛ فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ ظَاهِرٌ، عَرَفَهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَرْسَلُوا الطَّلَبَ، فَإِنَّهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَرَفُوا فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّهُ خَرَجَ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ، وَأَرْسَلُوا إلى أهل الطرق يبذلون الدِّية لِمَنْ يَأْتِي بِأَبِي بَكْرٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مُوَالَاتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ كَانَ عَدُوَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَمْ يفعلوا ذلك.

الرابع: أنه إذا خَرَجَ لَيْلًا، كَانَ وَقْتُ الْخُرُوجِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِأَبِي بَكْرٍ وَاسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ؟

فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّهُ عَلِمَ خُرُوجَهُ دُونَ غَيْرِهِ؟

قِيلَ: أَوَّلًا: قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي وَقْتٍ لَا يُشْعَرُ بِهِ، كَمَا خرج فِي وَقْتٍ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُعِينَهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْهِجْرَةِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ حَتَّى هَاجَرَ مَعَهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ بِالْهِجْرَةِ في خلوة (١) .

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْغَارِ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر وكان معهما عامر بن أبي فُهَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، فَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِخَبَرِهِ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَالْعَدُوُّ قَدْ جَاءَ إِلَى الْغَارِ، وَمَشَوْا فَوْقَهُ، كَانَ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْغَارِ، وَيُنْذِرَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَهُوَ وَحْدُهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَحْمِيهِ مِنْهُ وَمِنَ الْعَدُوِّ، فَمَنْ يَكُونُ مُبْغِضًا لِشَخْصٍ، طَالِبًا لِإِهْلَاكِهِ، يَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ، الَّتِي لَا يَظْفَرُ فِيهَا عدوٌ بِعَدُوِّهِ إِلَّا أَخَذَهُ، فَإِنَّهُ وَحْدَهُ فِي الغار.


(١) انظر البخاري ج٥ ص ٤٩ - مطبعة النهضة.

<<  <   >  >>