للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه قصة أخرى تظهر ما كان بين الرجلين من منافسة لا يبعد أن يكون مردّها الباطني إلى تلك العداوة العصبية.

قال أبو عثمان المازني (١): سمعت أبا عبيدة يقول:

أدخلت على الرشيد فقال لي: يا معمر، بلغني أن عندك كتابا حسنا في صفة الخيل، أحب أن أسمعه منك. فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو ونسمّيه ونذكر ما فيه. فقال الرشيد: يا غلام، أحضر فرسى. فقام الأصمعىّ فوضع يده على عضو عضو وجعل يقول: هذا كذا، قال الشاعر فيه كذا. حتى انقضى قوله، فقال لي الرشيد: ما تقول فيما قال؟ فقلت: قد أصاب في بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه شيء نعلمه، والذي أخطأ فيه لا أدرى من أين أتى به!

وتشتدّ هذه المنافسة وتعلو حتى نرى الأصمعي يتّهم أبا عبيدة بما قال فيه القائل:

صلّى الإله على لوط وشيعته … أبا عبيدة قل باللّه آمينا

في قصّة نعفّ عن تسجيلها.

وهذا التعصب الشعوبى - إلى ما كان يمتاز به أبو عبيدة من علم واسع - هو الذي دفع بإسحاق بن إبراهيم الموصلي (٢) الفارسي الأصل، أن يخاطب الفضل ابن الربيع ويوصيه بأن يؤثر أبا عبيدة على الأصمعي، وأن ينفى الأصمعي عن حضرته، وذلك قوله:


(١) ياقوت ١٩: ١٦٠.
(٢) ابن خلكان ٢: ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>