للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقدّر ذلك تقديراً محكماً مبرماً:

ليس فيه ناقض، ولا معقّب، ولا مزيل، ولا مغير، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه:

ــ

على العبد أن يؤمن ويعتقد أن الله علم ما كان وما لم يكن بعلمه الأزلي، الذي هو موصوف به أبداً وأزلاً، علم الأشياء كلها بعلمه المحيط قبل وقوعها، فلابد من اعتقاد ذلك.

عَلِمَهُ سبحانه وتعالى وقدّره (وخلق كل شيء فقدّره تقديراً) [الفرقان: ٢] .

فالأمور ليست فوضى أو ليست لها ضوابط، كلها مرتبة ومنضبطة بقضاء الله وقدره وكتابته، والله منزه عن الفوضى والعبث.

لا أحد يتصرف، فيغير ما قضاه الله وقدّره، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه (والله يحكم لا معقب لحكمه) [الرعد: ٤١] . فلا أحد ينقص شيئاً من قضاء الله، ولا يزيد شيئاً أبداً، هذا شيء قضي منه وانتهى منه.

إذا اعتقد المسلم ذلك أراحه من كثير من الشكوك والأوهام، ولكن ليس معنى ذلك أنه يتكل على القضاء والقدر والكتاب، ويترك العمل (١) ، هو مأمور بالعمل وطلب الرزق وفعل الأسباب، هذا من


(١) فعن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكّس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: "ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها في الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة" فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: "أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل الشقاوة" ثم قرأ: (فأما من أعطى واتقى) .
...أخرجه البخاري رقم (١٣٦٢) ومسلم رقم (٢٦٤٧) .

<<  <   >  >>