للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طول المدة وحصول الأمن لكانت عظيمة، فكيف بالبديهة في هذه الساعة التي يحول فيها الجريض دون القريض، وحسبك بحال لم يقدر عبيد بن الأبرص فيها على الروية. وكذلك على بن الجهم قال ارتجالا وقد صلب:

لم يغصبوا بالشاذياخ عشيةال ... إثنين مسبوقاً ولا مجهولا

نصبوا بحمد الله ملء عيونهم ... حسناً وملء قلوبهم تبجيلا

ما ضره أن بز عنه ثيابه ... فالسيف أهول ما يرى مسلولا

وهذا من أحسن شعره وأبدعه.

[وروى عن خالد الكاتب أنه]

قال: دخلت الدير يوماً فإذا أنا بشاب مغلول مربوط إلى سارية، فملت إليه وسلمت عليه، فقال: من تكون؟ قلت: خالد الكاتب، قال: صاحب المقطعات؟ قلت: نعم، قال: أنشدني، فأنشدته:

ترشفت من شفتيه عقاراً ... وقبلت من خده جلنارا

وعانت منه قضيباً رطيباً ... وردفاً مهيلاً وبدراً أنارا

وعاينت من حسنه في الظلام ... إذا ما تبدى نهاراً جهارا

فأطرق ثم أنشد:

رب ليلٍ أمد من نفس العا ... شق طولاً قطعته بانتخاب

ونعيم ألذ من وصل معشو ... ق تبدلته بيوم عتاب

قال خالد: فوالله إني منذ ثلاثين سنة لا أحسن إجازتهما.

[وروى أبو الفرج]

أن شحنة بغداد كسر نبيذاً كثيراً حتى ملأ الطريق، فمر به بكر بن خارجة، فلما رآه جلس يبكي فمر عليه بعض أصحابه، فسأله عن سبب بكائه، فقال بديهاً:

يا لقومي لما جنى السلطان ... لم يكن للذي أهان هوان

صبها في الطريق من حلب الكر ... م عقاراً كأنها زعفران

صبها في مكان سوءٍ لقد أد ... رك سعد السعود ذاك المكان

قال الكرماني: أنشدتها الجاحظ فقال: إن من حق الفتوة والمروءة ألا أكتبها إلا قائما، فعمدته لأنه كان مفلوجاً حتى كتبها.

[وذكر ابن العباس بن إبراهيم الصولي]

كان قد ولى بعض النواحي للمتوكل، فأخرج إليه أحمد بن المدبر جملة كبيرة، وجلسا للمناظرة بين يدي المتوكل، ولم يكن إبراهيم من رجال أحمد في كتابة الخراج، ولا واحدٍ من رجاله في البلاغة والشعر؛ فكاد يفتضح، فوقعت

<<  <   >  >>