للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمرت وليدة لها فجاءت بعتودٍ يمرح في إهابه سمناً ومدية، وقالت: اذبح أيها الرجل. واعتجنت وامتلت وطبخت، وقربت طعاماً، وجلست أنا وهي والوليدة: فلما تعشينا قالت: ما رمى بك إلى هذه البلاد؟ فأخبرتها خبري، فضحكت وقالت: بت فسأجيئك غداً بعشر خرائد تماتنك دون الرجال، فإن غلبت فارجع إلى بلادك، واعلم أنك ترمي من مرام، فبت فلما أصبحنا إذا العجوز قد أقبلت، ومعها ثلاث فتيات كالمهرات، فابتدرن إلى الحجرة، وأقبلت العجوز فحيتني، وسألتني عن مبيتي، ثم أومأت إلى إحداهن، فأقبلت كالعيدانة يميلها الصبا، فقالت: أنت المتحدي بالمماتنة؟ فقلت: نعم، فقالت: قل أسمع، فقلت:

سوام تداءت سومها وعجافها

فقالت:

حوامل أثقالٍ تنوء فترزح

فقلت:

إذا أيهت في حجرتيها رعاؤها

فقالت:

سمت فرق منها شوامر لقح

فقلت:

نواء تداعى بالجنين عشارها

فقالت:

فتبرح ناراُ أو تبيت فتسنح

فقلت:

إذا وصلت أرضاً سقتها بدرها

فقالت:

أفاويق رسل محصنة لا تضيح

فقلت:

إذا انسفحت أخلافها خلت ما جرى

فقالت:

على الأرض منه لجة تتضحضح

فقلت: أمطلقة أم ذات بعل؟ فقالت:

عقال لعمر الله لو شئت بتهشرادى ولكن التكرم أجدر

فقمت إلى راحلتي، فقالت العجوز: رويت أم أحلب لك أخرى؟ فقلت: أروتني الأولى، فقالت: الحق الآن بأرضك.

فخرجت أريد لرجوع إلى قومي، فأبى بي اللجاج إلا قصد ما خرجت إليه، فدفعت إلى صرم من جرم، فإذا صبيان على غدير يرتجزون، فدعوت غلاماً منهم من أبشرهم. فقلت: يا غلام! هل في صرمكم من يماتنني؟ فإني قد برزت على شعراء العرب، فقال: أنا. فقلت: أنت أيها الفصيل! فقال: قل ودع عنك ما لا يجدي، فقلت:

أوابد كالجزع الظفاري أربع

فقال:

حماهن جون الطرتين مولع

فقلت:

يرود بهن الروض في الأمن جاره

فقال:

وأحلى لهن المنتضى والمودع

فقلت:

فلما اشتكت أمات قردانه السفا

فقال:

وحب على البيد السفير الممذع

فقلت:

وشبت على الأكابد نار من الصدى فقال:

تظل لنا بين الحيازيم تسفع

فقلت: أولى لك! وامتطيت راحلتي، حتى دفعت إلى شيخ يرعى غنيماتٍ له، فاستقريته، فقام مبادراً إلى قعب له، فاحتلب ما كان في ضروعهن، ثم جاءني به، فشربت، فلما

<<  <   >  >>