للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد جعل للإنسان حرثين مفيدين لزادين: احدهما روحاني كالمعارف والحكم والعبادات والاخلاق الحميدة، وثمرته الحياة الابدية والغني الدائم، والاستكثار منه محمود ولا يكاد يطلبه الاَّ من قد عرفه وعرف منفعته. والثاني جسماني كالمال والاثاث، وفي الجملة ما قد نبه الله تعالى عليه بقوله: (زُين للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والانعام والحرث) . وثمرته ان تحصل به الحياة الدنيوية الفانية، ويسترجع من الإنسان اذا فارق دنياه، ولا ينتفع منه بشيء الاَّ بقدر ما أستعان به في الوصول إلى الزاد الأُخروي كما نبه الله تعالى عليه بقوله: (وما الحياة الدنيا في الآخرة الاَّ متاع) . ولا يولع بالركون اليها الا من جهل حقائقها ومنافعها. والاستكثار منه ليس بمذموم ما لم يكن مثبطاً لصاحبه عن مقصده، وكان متناولاً على الوجه الذي يجب وكما يجب، ومجعولاً الى الوجه الذي ينتفع به في مقصده، لكن تناوله على هذا الوجه والاستكثار منه لا يتأتى الاَّ اذا كان السلطان عادلاً والامور جارية على أَذلالها فيحفظ الناس معاملاتهم على مقتضى الشرع، ثم يكون صاحبه اذا تناوله كما قال تعالى: (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) . فاذا لم يكن الامر كما ذكرنا من الاستقامة فليس الا الاقتصاد والاقتصار والتبلغ بما امكن حتى ينقضي السفر. الموفق في الدنيا اذا رأَى نفسه قاصرة عن الجمع بين الامرين اهتم بما يبقى

<<  <   >  >>