للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

باقياً، وعلى هذا قال تعالى: (صمٌ بكمٌ عميٌ) . فيمن لم ينتفع بهذه الأعضاء فالإنسان يحصل له من الإنسانية بقدر ما يحصل له من العبادة التي لأجلها خُلق، فمن قام بالعبادة حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية فصار حيوانا أو دون الحيوان كما قال الله تعالى في وصف الكفار: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا) . وقال: (ان شر الدواب عند الله الصمُّ البكُم الذين لا يعقلون) . فلم يرضَ ان يجعلهم أنعاماً ودواب حتى جعلهم أضلَّ منها وجعلهم من أشرارها، وأخرج كلامهم عن جملة البيان فقال تعالى: (وما كان صلاتهم عند بيت إلا مُكاءً وتَصْدِيَة) تنبيها على انهم كالطيور التي تمكو وتُصَدّي ونبه تعالى بنكتة لطيفة على أن الإنسان لا يكون إنساناً إلاَّ بالدين ولا ذا بيان إلا بقدرته على الإتيان بالحقائق الدينية فقال تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) فابتدأ بتعليم القرآن ثم بخلق الإنسان ثم بتعليم البيان، ولم يدخل الواو فيما بينهما وكان الوجه على متعارف الناس أن يقول خلق الإنسان وعلمه البيان وعلمه القرآن، فان إيجاد الإنسان بحسب نظرنا مقدم على تعليم البيان وتعليم البيان مقدم على تعليم القرآن، لكن لما لم يُعَد الإنسان إنسانا ما لم يتخصص بالقرآن ابتدأ بالقرآن، ثم قال خَلق الإنسان تنبيهاً على ان بتعليم القرآن جعله إنساناً على الحقيقة، ثم قال علمه البيان تنبيهاً على ان البيان الحقيقي المختص بالإنسان

<<  <   >  >>