للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الأسد! فسلمت قبل الوالد رحمه الله لكيلا يمنعني من قتال الأسد وركبت ومعي رمحي فحملت عليه فأستقبلني وهدر، فحاص بي الحصان ووقع الرمح من يدي لثقله وطردني شوطاً جيداً، ثم رجع إلى سفح الجبل ووقف عليه وهو من أعظم السباع كأنه قنطرة جائع وكلما دنون منه نزل من الجبل، طرد الخيل وعاد إلى مكانه، وما ينزل نزلة إلا يؤثر في أصحابنا.

ولقد رأيته راكباً مع رجل من غلامان عمي يقال له بستكين غرزة على وركي حصانه وخرق بمخالبه ثيابه ورانته وعاد إلى الجبل، فما كان لي فيه حيلة إلا أن صعدت فوقه في سفح الجبل. ثم حدرت حصاني عليه فطعنته فنفذت الرمح فيه وتركته في جانبه، فتقلب إلى أسفل الجبل والرمح فيه، فمات الأسد وانكسر الرمح، والوالد رحمه الله واقف يرانا معه أولاد أخيه عز الدين يبصرون ما يجري وهم صبيان. وحملنا الأسد ودخلنا البلد العشاء، وإذا جدتي لأبي رحمها الله جاءتني في الليل وفي يدها شمعة - وهي عجوز كبيرة قاربت من العمر مائة سنة. فما شككت أنها قد جاءت تهنئني بالسلامة وتعرفني مسرتها بما فعلت. فلقيتها وقبلت يدها فقالتلي بغيظ وغضبيا بني أيش يحملك على هذه المصائب التي تخاطر فيها بنفسك وحصانك وتكسر سلاحك ويزداد قلب عمك منك وحشة ونفوراً.؟ قلتيا ستي أنما أخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى قلب عمي. قالتلا والله ما يقربك هذا منه وانه يزيدك منه بعداً ويزيده منك وحشاً ونفوراً. فعلمت أنها نصحتني في قولها وصدقتني، ولعمري إنهن أمهات رجال.

ولقد كانت هذه العجوز رحمها الله من صالحي المسلمين من الدين والدقة والصوم والصلاة على أجمل طريقة، ولقد حضرتها ليلة النصف

<<  <   >  >>