للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَفْشَى اللَّهُ ضَيْعَتَهُ» أَيْ أَكْثَرَ عَلَيْهِ مَعَاشَهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا» .

وَقَالَ الشَّيْخُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَزَجِيُّ الْحَنْبَلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ النِّهَايَةِ لَهُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَطْيَبِ الِاكْتِسَابِ فَقَالَ قَوْمٌ الزِّرَاعَةُ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ لِقَضَاءِ اللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ بَرَكَةِ الْأَرْضِ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الشُّبْهَةِ وَقَالَ قَوْمٌ التِّجَارَةُ أَطْيَبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَّحَ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ التَّكَسُّبَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ غَالِبًا وَقَالَ قَوْمٌ الْكَسْبُ بِالصِّنَاعَةِ أَطْيَبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَحَلُّ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ» وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُبَاشِرُ الْعَمَلَ فِيهَا بِكَدِّ يَدِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ عَبَّاسُ الدَّوْرِيُّ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَل - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ وَسُئِلَ عَنْ الدَّقَّاقِينَ فَقَالَ: إنَّ أَمْوَالًا جُمِعَتْ مِنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهَا لَأَمْوَالُ سَوْءٍ، وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّقَّاقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الَّذِينَ يَتَّجِرُونَ فِي الدَّقِيقِ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِكَارِ الْأَقْوَاتِ وَإِرَادَةِ غَلَائِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ فِي إضْرَارِ الْمَعْصُومِينَ وَهُوَ ضَرَرٌ عَامٌّ فَالْأَمْوَالُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ التِّجَارَةِ فِي ذَلِكَ أَمْوَالُ سَوْءٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي عَلَى كَرَاهَةِ التِّجَارَةِ فِي الْقُوتِ وَالطَّعَامِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّين يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحِبَّ غُلُوَّ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ وَيُكْرَهُ الرُّخْصُ وَيُكْرَهُ الْمَالُ الْمَكْسُوبُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّ مَالًا جُمِعَ مِنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَمَالُ سَوْءٍ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يُشَاقِقْ يُشْقِقْ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا أَوْصِنَا قَالَ إنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُل إلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>