للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي شُعُورِ الْأَنْفُسِ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ وَتَعْلِيلِ ذَلِكَ وَحِكْمَتِهِ]

ِ) قَالَ فِي الْفُنُونِ جَرَى فِي مَجْلِسٍ مُذَاكَرَةٌ فَقَالَ قَائِلٌ: إنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي ضِيقًا وَإِنْ قَصُرَتْ يَدَيَّ بَلْ طِيبَ النَّفْسِ كَأَنِّي صَاحِبُ ذَخِيرَةٍ، فَقَالَ رَئِيسٌ فَاضِلٌ قَدْ جَرَّبَ الدَّهْرَ وَحَنَّكَتْهُ التَّجَارِبُ: هَذِهِ صِفَةٌ إمَّا رَجُلٌ قَدْ أَعَدَّتْ لَهُ الْأَيَّامُ سَعَادَةً شَعَرَتْ نَفْسُهُ بِهَا لِأَنَّ فِي النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ مَا يُشْعِرُ بِالْأَمْرِ قَبْلَ كَوْنِهِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ ثِقَةً بِاَللَّهِ لِكُلِّ حَادِثٍ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ لَا يَضَعُ الشَّيْءَ إلَّا فِي مَوْضِعِهِ، فَيَسْتَرِيحُ مِنْ تَعَبِ الِاعْتِرَاضِ وَعَذَابِ التَّمَنِّي قَالَ وَبِالضِّدِّ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ بَاكِيًا شَاكِيًا حَزِينًا لَا لِسَبَبٍ، بَلْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَمَّةٌ.

فَذَلِكَ شُعُورُ النُّفُوسِ بِمَا يَئُولُ حَالُهُ إلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ الْفَأْلِ، وَالطِّيَرَةِ، وَالزَّجْرِ، وَالْهَاتِفِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ اطِّلَاعُ اللَّهِ تَعَالَى لِلنُّفُوسِ عَلَى عُقْبَاهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَنَامَاتُ، فَهَذِهِ شَوَاهِدُ الْخَيْرِ، وَالشَّرِّ، وَقَدِيمًا رَأَيْنَا الْمَشَايِخَ يَقُولُونَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُقَدِّمَةُ النَّحْسِ وَزَوَالَ السَّعَادَةِ كُسُوفَ الْبَالِ، وَتَكَاثُفَ الْهَمِّ وَضِيقَ الصَّدْرِ وَتَغَيُّرَ الْأَخْلَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: ٥٣] .

فَجَعَلَ عِنْوَانَ تَغَيُّرِ النِّعَمِ تَغَيُّرَ النُّفُوسِ لِعَادَتِهِمْ مِنْ تَنَكُّدِهَا. كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِمُتَّجَهٍ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>