للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكَلِّ فِي الْخَبَرِ الثِّقَلُ فَيُؤْتَى بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ لِكَرَاهَةِ الْفِعْلِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدْمِ تِلْكَ الْقُبَّةِ وَلَا طَلَبَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا وَاضِحٌ.

وَعَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَلَا مُتَّجَهٍ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحُهُ بِأَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَى مَنْ بَذَلَهُ فِي مُبَاحٍ زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ سَبَقَتْ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَمَذْكُورَةٌ فِي الْفِقْهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ.

وَحَيْثُ حَرُمَ أَوْ كُرِهَ فَأُجْرَةُ فَاعِلِهِ تَابِعَةٌ لِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي خِيَاطَةِ الْمَلْبُوسِ إذَا حَرُمَ حَرُمَتْ الْأُجْرَةُ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْإِسْرَافِ فِي مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ فِي آدَابِ الْأَكْلِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِنَاءَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْمَرْءُ وَعِيَالَهُ وَمَالَهُ مِنْ الْعُيُونِ وَالْبَرْدِ وَالْحَرِّ أَوْ الْمَطَرِ فَرْضٌ وَاكْتِسَابِ مَنْزِلٍ أَوْ مَسْكَنٍ يَسْتُرُ مَا ذَكَرْنَا، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ قَبْلَهُ مُبَاحٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْ كَارِهٍ وَمِنْ غَيْرِ كَارِهٍ، وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ فِي هَذَا فِي فُصُولِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ وَطَرِيقَهُ خَيْرُ الطُّرُقِ لِمَا عُلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ سَفَرٍ لَا دَارُ إقَامَةٍ اتَّخَذَ مَسَاكِنَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ تَسْتُرُ عَنْ الْعُيُونِ وَتَقِي مَضَرَّةَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ وَالرِّيَاحِ وَتَحْفَظُ مَا وُضِعَ فِيهَا مِنْ دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُزَخْرِفْهَا وَلَمْ يُشَيِّدْهَا وَلَمْ تَكُنْ ثَقِيلَةً فَيَخَافَ سُقُوطَهَا وَلَا وَاسِعَةً رَفِيعَةً فَتُعَشِّشَ فِيهَا الْهَوَامُّ وَتَصِيرَ مَهَبًّا لِلرِّيَاحِ الْمُؤْذِيَةِ، وَلَا هِيَ مَسَاكِنُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَتُشْبِهَ مَسَاكِنَ الْجَبَابِرَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَرُبَّمَا تَأَذَّى سَاكِنُهَا بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْهَوَاءِ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمِهِمَا أَوْ بِالظُّلْمَةِ أَوْ بِبَعْضِ الْهَوَامِّ، بَلْ هِيَ مَسَاكِنُ مُتَوَسِّطَةٌ حَسَنَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ بِعَرَقِهِ وَرَائِحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُحِبُّ التَّطَيُّبَ وَيَتَّخِذُهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ مِنْ فُصُولِ الطِّبِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>