للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَذَرِ، فَتَقْدِيرُهُ لِيَحْذَرْ الْمُنَافِقُونَ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالْعَرَبُ رُبَّمَا أَخْرَجَتْ الْأَمْرَ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ فَيَقُولُونَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرَ، يُرِيدُونَ لِيَرْحَمْ وَيُعَذِّبْ فَيُسْقِطُونَ اللَّامَ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْخَبَرِ فِي الرَّفْعِ، وَهُمْ لَا يَنْوُونَ إلَّا الدُّعَاءَ، وَالدُّعَاءُ مُضَارِعٌ لِلْأَمْرِ. وَأَمَّا الْجَزْمُ بِلَامٍ مُقَدَّرَةٍ فَيَجُوزُ كَثِيرًا مُطَّرِدًا بَعْدَ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: ٣١] .

وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ جَوَابُ قُلْ، وَالتَّقْدِيرُ: قُلْ لَهُمْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ يُقِيمُوا، أَيْ إنْ تَقُلْ لَهُمْ يُقِيمُوا. وَرَدَّهُ قَوْمٌ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يُقِيمُوا، وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ هَذَا الرَّدَّ، وَلَمْ يَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْعِبَادِ الْكُفَّارَ، بَلْ الْمُؤْمِنِينَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم: ٣١] وَإِذَا أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ قَامُوا.

وَقِيلَ: يُقِيمُوا جَوَابُ أَقِيمُوا الْمَحْذُوفَةِ أَيْ: أَنْ يُقِيمُوا، يُقِيمُوا وَرُدَّ بِوُجُوبِ مُخَالَفَةِ جَوَابِ الشَّرْطِ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ أَوْ فِيهِمَا، فَلَا يَجُوزُ قُمْ تَقُمْ، وَبِأَنَّ الْمُقَدَّرَ لِلْمُوَاجَهَةِ وَيُقِيمُوا عَلَى لَفْظِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ وَاحِدًا، وَيَجُوزُ الْجَزْمُ فَاللَّامُ الْأَمْرِ مُقَدَّرَةً قَلِيلًا بَعْدَ قَوْلٍ بِلَا أَمْرٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِهَا بِلَا أَمْرٍ وَلَا قَوْلٍ وَلَا ضَرُورَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا ذَكَرْت ذَلِكَ لِكَثْرَةِ كِتَابَةِ " يُعْتَمَدُ ذَلِكَ " وَنَحْوِهَا وَكَثْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا إنْكَارَهُ فَيُنْكِرُهُ، وَيُوَافِقُهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>