للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الْإِبْرَاءِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ]

نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ مِتَّ " بِفَتْحِ التَّاءِ " فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَيْنِي، إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إنِّي كُنْتُ شَارِبًا مُسْكِرًا فَتَكَلَّمْتُ فِيكَ بِشَيْءٍ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْتَ فِي حِلٍّ إنْ لَمْ تَعُدْ، فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِمَ قُلْتَ؟ لَعَلَّهُ يَعُودُ، قَالَ أَلَمْ تَرَ مَا قُلْتُ لَهُ: إنْ لَمْ تَعُدْ فَقَدْ اشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ مَا أَحْسَنَ الشَّرْطَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلَا يَعُودُ إنْ كَانَ لَهُ دِينٌ.

وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ قَالَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ قَالَ كُنْتَ أَذْكُرُكَ أَيْ: أَتَكَلَّمُ فِيكَ فَقَالَ لَهُ: وَلِمَ أَرَدْتَ أَنْ تَذْكُرَنِي؟ فَجَعَلَ يَعْتَرِفُ بِالْخَطَإِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ إلَى هَذَا قَالَ لَهُ نَعَمْ قَالَ قُمْ. ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ وَهُوَ يَبْتَسِمُ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي شَدَّدْتُ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى رَجُلٍ جَاءَنِي فَدَقَّ عَلَيَّ الْبَابَ وَقَالَ اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ فَإِنِّي كُنْتُ أَذْكُرُكَ، فَقُلْتُ: وَلِمَ أَرَدْتَ أَنْ تَذْكُرَنِي أَيْ هَذَا الرَّجُلُ؟ كَأَنَّهُ أَرَادَ مِنْهُمَا التَّوْبَةَ وَأَنْ لَا يَعُودَا رَوَاهُمَا الْخَلَّالُ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ مِنْ الْأَدَبِ.

وَرَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَخْتَارُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ فَقَدْ يُقَالُ: هَذَا وَقَدْ يُقَالُ: بِالتَّفْرِقَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لِرِعَايَةِ حُصُولِهَا وَتَأَكُّدِهَا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ الصَّحَابِيِّ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَالَ لَهُ، إنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَيْنِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>