للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ أَمْرُ النَّاسِ بِالْإِنْصَاتِ إلَى كَلَامِهِ أَوْلَى. وَالْقَارِئُ يَقْرَأُ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ، وَرُبَّمَا أَصْغَيْتُمْ إلَى النَّغْمَةِ اسْتِثَارَةً لِلْهَوَى، فَاَللَّهَ اللَّهَ لَا تَنْسَ الْأَدَبَ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْكَ فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ، مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ الْمُصْحَفُ فِي بَيْتِكَ وَأَنْتَ مُرْتَكِبٌ لِنَوَاهِي الْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِيهِ فَتَدْخُلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: ١٨٧] .

فَهِجْرَانُ الْأَوَائِلِ كَلَامَ الْحَقِّ يُوجِبُ عَلَيْكَ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِبْعَادِ وَالْمَقْتِ، فَقَدْ نَبَّهَكَ عَلَى التَّأَدُّبِ لَهُ مِنْ أَدَبِكَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَالتَّأَدُّبُ لِلْأَبَوَيْنِ يُوجِبُ التَّأَدُّبَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْتَدِئُ بِالنِّعَمِ، فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي إهْمَالِ مَا وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْأَدَبِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالْإِنْصَاتُ لِلْفَهْمِ وَالنَّهْضَةُ لِلْعَمَلِ بِالْحُكْمِ إيفَاءٌ لِلْحُقُوقِ إذَا وَجَبَتْ، وَصَبْرًا عَلَى أَثْقَالِ التَّكَالِيفِ إذَا حَضَرَتْ، وَتَلَقِّيًا بِالتَّسْلِيمِ لِلْمَصَائِبِ إذَا نَزَلَتْ، وَحِشْمَةً لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ أَخْذٍ وَتَرْكٍ حَيْثُ نَبَّهَكَ عَلَى سَبَبِ الْحِشْمَةِ فَقَالَ: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ - أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٣ - ٥٣] .

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: كُرِهَ السُّؤَالُ بِالْقُرْآنِ لِثَلَاثِ مَعَانٍ:

(أَحَدِهَا) أَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ بِالطَّبْعِ سَمَاعَ سُؤَالِ السَّائِلِ فَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْ الْقَارِئِ الَّذِي يَسْأَلُ بِالْقُرْآنِ أَعْرَضُوا عَنْ الْقُرْآنِ فَيَحْمِلهُمْ الْقَارِئُ عَلَى أَنْ يَأْثَمُوا.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ رُبَّمَا قَرَأَ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ، وَقَدْ أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ لِلْقُرْآنِ فَيُعَرِّضُهُمْ لِلْإِثْمِ أَيْضًا.

(الثَّالِثِ) أَنْ يَأْتِيَ بِأَعَزِّ الْأَشْيَاءِ فَيَسْتَشْفِعُ بِهِ فِي أَخَسِّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>