للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ

فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الصَّبَّاغِينَ

أَكْثَرُ صَبَّاغِي الْحَرِيرِ الْأَحْمَرِ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَزْلِ وَالثِّيَابِ - يَصْبُغُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ بِالْحِنَّا عِوَضًا عَنْ الْقُوَّة (١)؛ فَيَخْرُجُ الصَّبْغُ حَسَنًا مُشْرِقًا، فَإِذَا أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَزَالَ إشْرَاقُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُدَكِّنُ (٢) الثِّيَابَ بِالْعَفْصِ (٣) وَالزَّاجِ (٤)، إذَا أَرَادَ صَبْغَهَا كَحُلِيًّا، ثُمَّ يُدْلِيهَا فِي الْخَابِيَةِ، فَتَخْرُجُ صَافِيَةَ اللَّوْنِ شَدِيدَةَ السَّوَادِ، فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهَا أَقَلُّ مُدَّةٍ تَغَيَّرَ لَوْنُهَا، وَنَفَضَ صَبْغُهَا. وَهَذَا كُلُّهُ تَدْلِيسٌ، فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ فِعْلِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبُوا عَلَى ثِيَابِ النَّاسِ أَسْمَاءَهُمْ بِالْحِبْرِ، لِئَلَّا يَتَبَدَّلَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَأَكْثَرُ الصَّبَّاغِينَ والمرندجين (٥) - إذَا كَانَ فِي أَيَّامِ الْمَوَاسِمِ وَالْأَعْيَادِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَفْرَاحِ - يُغَيِّرُونَ ثِيَابَ النَّاسِ، وَيُكْرُونَهَا بِالْأُجْرَةِ، لِمَنْ يَلْبِسُهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَتَزَيَّنُ بِهَا. وَهَذِهِ خِيَانَةٌ وَعِدْوَانٌ، فَيَمْنَعُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] مِنْ فِعْلِهِ. وَيَعْتَبِرُ عَلَيْهِمْ مَا يَفْعَلُونَهُ وَيَغُشُّونَ بِهِ (٦) الصَّبْغَ، وَيَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى عَرِيفِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


(١) الفوة - وتسمى أيضًا فوة الصباغين - نبات عروقه حمراء، وكانت تلك العروق تستخدم في الصباغة. (ابن البيطار: المفردات، جـ ٣، ص: ١٦٩. Heyd: Op، Cit. II. p) .
(٢) المعنى هنا أن الصباغ يجعل القماش أو الثوب داکنا؛ أي ضاربا إلى السواد (أقرب الموارد)، ليستعين بذلك على صبغها كحليا، كالوارد بالمتن.
(٣) العفص ثمر شجرة يكون أحمر اللون عند نضجه، فيجفف ويسحق، وكان يستخدم في الأضمدة والصباغة. (ابن البيطار: المفردات، جـ ٣، ص ١٢٧).
(٤) انظر ص ٤٥، حاشية ٧.
(٥) في س والنسخ الأخرى "المرتدحين"، والصواب ما هنا. والمقصود بذلك الاسم الصباغون الذين يصبغون الملابس باللون الأسود، باستخدام اليرندج، وهو الزاج (تاج العروس)؛ وفي العصر الحاضر يطلق لفظ المرندج - عند الصباغين - على الصانع الذي يتولى تنقية الخيط المغزول وصبغه.
(٦) في س "بها"، وما هنا من ل، هـ، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>