للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ١ -

وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسَائِلَ، وَخَالَفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا، وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ وَعِلَّتُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الِاجْتِهَادُ الثَّانِي بِأَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ ٢ - وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ.

٣ - وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الثَّانِيَ كَالِاجْتِهَادِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

[النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَوَاعِدِ] [الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ]

قَوْلُهُ: وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسَائِلِهِ إلَخْ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا كَثُرَ اشْتِغَالُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ أَتَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ: لَوْ كُنْت أَنَا مَكَانَهُ لَقَضَيْت لَك فَقَالَ لَهُ: مَا يَمْنَعُك عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ هُنَاكَ نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ يَعْنِي وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الرَّأْيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.

(٢) قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ.

لِأَنَّهُ لَوْ نُقِضَ بِهِ لَنُقِضَ النَّقْضُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ اجْتِهَادٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَيَتَسَلْسَلَ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ.

(٣) قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: كَيْفَ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَنَّ فِي الْهِدَايَةِ مَا زَعَمْت أَنَّهُ يَكْفِي.

وَزِيَادَةُ تَرْجِيحٍ وَهُوَ اتِّصَالُ الْقَضَاءِ بِهِ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَعَ شَيْءٍ كَانَ فِي وَقْتِهِ، وَغُيِّبَ عَنْ الْفَاعِلِ بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْمُجْتَهِدُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَهُ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ.

عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ السَّبْقِ لَا يُظْهِرُ كَوْنُهُ مُرَجَّحًا، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ يُعْمَلُ بِالثَّانِي وَلَا يُنْظَرُ إلَى سَبَقَ الْأَوَّلِ بَلْ، وَلَا إلَى الْعَمَلِ بِهِ (انْتَهَى) .

وَقِيلَ: إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الدِّرَايَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>