للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُدِّمَ التَّحْرِيمُ، وَعَلَّلَهُ الْأُصُولِيُّونَ بِتَقْلِيلِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّمَ الْمُبِيحُ لَلَزِمَ تَكْرَارُ النَّسْخِ ٤ -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، فَإِذَا جُعِلَ الْمُبِيحُ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْمُحَرِّمُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِالْمُبِيحِ.

وَلَوْ جُعِلَ الْمُحَرِّمُ مُتَأَخِّرًا لَكَانَ نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ، وَهُوَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا؛ لِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ ٥ -، وَفِي التَّحْرِيرِ يُقَدَّمُ الْمُحَرِّمُ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ وَاحْتِيَاطًا، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي بَابِ التَّعَارُضِ، وَمَنْ ثَمَّةَ قَالَ عُثْمَانُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

[فُرُوعٌ عَلَى قَاعِدَةِ إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ] [تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةَ]

قَوْلُهُ: قُدِّمَ التَّحْرِيمُ: قِيلَ: صَوَابُهُ قُدِّمَ الْمُبِيحُ، كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلَوْ جُعِلَ الْمُحَرِّمُ مُتَأَخِّرًا؛ يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ الْحَظْرُ وَالْمُبِيحُ، فَالْحَظْرُ جُعِلَ مُتَأَخِّرًا نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، فَلَوْ جُعِلَ الْمُبِيحُ مُتَأَخِّرًا يَلْزَمُ تَكْرَارُ النَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْحَظْرِ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَلَوْ جُعِلَ الْحَظْرُ مُتَأَخِّرًا لَا يَلْزَمُ إلَّا نَسْخٌ وَاحِدٌ (انْتَهَى) .

فَجُعِلَ الْحَظْرُ آخِرًا (انْتَهَى) .

أَقُولُ: قَدْ قَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا، إذْ النَّسْخُ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِهَاءِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَكَرَّرْ النَّسْخُ.

(٤) قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ اتِّفَاقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَيْسَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَا يَكُونُ رَفْعُهَا نَسْخًا إذْ النَّسْخُ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِهَاءِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالنَّسْخِ تَغْيِيرُ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ فَيَتَغَيَّرُ مَرَّتَيْنِ فَيَتَكَرَّرُ النَّسْخُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ.

(٥) قَوْلُهُ: وَفِي التَّحْرِيمِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ فِيهِ: أَنَّ تَقْلِيلَ النَّسْخِ فِي تَقْدِيمِ الْمُبِيحِ لَا فِي تَقْدِيمِ الْمُحَرِّمِ إذْ فِي تَقْدِيمِ التَّحْرِيمِ تَكْرَارُ نَسْخٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَلْيُحَرَّرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>