للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مُقَدِّمَة الْكتاب]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ.

ــ

[الفواكه الدواني]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَظِيمِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمَانِّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُبَيِّنِ لَنَا مَعَالِمَ حُدُودِ الْأَحْكَامِ، مُفَرِّقًا لَنَا فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَيْسَ لِنِهَايَتِهِ أَمَدٌ، الْمُنَزَّهُ عَنْ الصَّاحِبَةِ. وَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، مَنْ بِخَتْمِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ انْفَرَدَ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي كُلِّ أَمَدٍ.

(وَبَعْدُ) : فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْحَقِيرُ الضَّعِيفُ، وَالْمُفْتَقِرُ إلَى مَوْلَاهُ الْقَوِيِّ اللَّطِيفِ، أَحْمَدُ بْنُ غُنَيْمِ بْنِ سَالِمٍ النَّفْرَاوِيُّ بَلَدًا، الْأَزْهَرِيُّ مَوْطِنًا الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا، قَدْ كَثُرَ اشْتِغَالُ النَّاسِ بِرِسَالَةِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبَةِ بِبَاكُورَةِ السَّعْدِ وَبِزُبْدَةِ الْمَذْهَبِ، لِمَا ظَهَرَ فِي الْخَافِقَيْنِ مِنْ أَثَرِهَا وَبَرَكَتِهَا، لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُخْتَصَرٍ ظَهَرَ فِي الْمَذْهَبِ بَعْدَ تَفْرِيعِ ابْنِ الْجَلَّابِ وَكَثُرَتْ الشُّرَّاحُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ يُسْتَغْنَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا عَنْ غَيْرِهِ، أَرَدْت أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا شَرْحًا مُشْتَمِلًا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَضْلِهِ الْعَمِيمِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بِحَيْثُ إنَّ الشَّيْخَ أَوْ الطَّالِبَ يَسْتَغْنِي بِهِ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَسَمَّيْته: (الْفَوَاكِهُ الدَّوَانِي عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ) .

وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْمَانَّ بِفَضْلِهِ أَنْ يَرْزُقَنِي الْإِخْلَاصَ بِوَضْعِهِ لِيَكُونَ مُوجِبًا لِلْفَوْزِ لَدَيْهِ لِلْقَطْعِ بِعَجْزِنَا وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَمْرَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ، وَسَلَكْت فِيهِ صَنْعَةَ الْمَزْجِ لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ، فَقُلْت مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ إنَّهُ مُفِيضُ الْخَيْرِ وَالْجُودِ.

قَوْلُهُ: (بِسْمِ) ابْتَدَأَ بِهَا لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِهَا اقْتِدَاءً بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي أَشْرَفُهَا الْقُرْآنُ لِمَا قَالَهُ الْعَلَامَةُ أَبُو بَكْرٍ التُّونُسِيُّ مِنْ إجْمَاعِ عُلَمَاءِ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ جَمِيعَ كُتُبِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَيَشْهَدُ لَهُ خَبَرُ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ» ، وَقَوْلُ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ أَنَّهَا مَبْدَأُ كَلِمَاتِ اللَّهِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ ثُمَّ رُفِعَتْ وَأُنْزِلَتْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِينَ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَلَمْ تَزُلْ النَّاسُ تَقْتَدِي بِالْأَشْرَفِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ أَوْ بِحَمْدٍ أَوْ لَا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ أَوْ أَبْتَرُ أَوْ أَجْذَمُ» أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ أَوْ مَقْطُوعُهَا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ مِنْهَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ، فَكُلُّ لَفْظٍ اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْهَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ ذِكْرٍ.

وَلَا يُقَالُ: الْقَاعِدَةُ عَكْسُ هَذَا الْحَمْلِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا فِي آيَتَيْ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِالْمُؤْمِنَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَاعِدَةُ الْأُصُولِيِّينَ مَشْرُوطَةٌ بِكَوْنِ الْقَيْدِ وَاحِدًا، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّدَتْ الْقُيُودُ وَتَخَالَفَتْ فَيُرْجَعُ لِلْمُطْلَقِ أَوْ يُحْمَلُ حَدِيثُ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْبَدْءِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ أَوَّلُ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ.

وَحَدِيثُ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فَيَصَدَّقُ بِمَا بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَمْ يُعْكَسْ لِقُوَّةِ حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ وَلِمُوَافَقَةِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، أَوْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرِّوَايَاتِ تَخْيِيرُ الْبَادِئِ فِي الْعَمَلِ بِرِوَايَةٍ مِنْهَا، لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا نَسْخٌ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْأُصُولِ، ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ مُرْشِدُ الشِّيرَازِيِّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ يُوقَفُ عَنْ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَهَذَا التَّعَارُضُ الْمُحْتَاجُ

ج: ص:  >  >>