للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِهَا انْصِدَاعُ الْفَجْرِ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَاب فِي أَوْقَات الصَّلَاة وَأَسْمَائِهَا]

بَابٌ فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَالْأَوْقَاتُ جَمْعُ وَقْتٍ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ لِلْمُؤَدِّي شَرْعًا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُوَسَّعًا كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَوْ مُضَيَّقًا كَأَوْقَاتِ الصَّوْمِ فَإِنَّهَا مُضَيَّقَةٌ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ بِمَجِيءِ زَمَنِهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَالزَّمَانُ لُغَةً الْمُدَّةُ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ، وَاصْطِلَاحًا مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةً لِلْإِبْهَامِ مِنْ الْأَوَّلِ بِمُقَارَنَتِهِ لِلثَّانِي كَمَا آتِيك عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ زَمَانًا نَحْوَ: جَاءَ زَيْدٌ طُلُوعَ الشَّمْسِ، فَطُلُوعُ الشَّمْسِ زَمَانُ الْمَجِيءِ إذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا، وَالْمَجِيءُ خَفِيَا وَلَوْ خَفِيَ الطُّلُوعُ عَلَى ضَرِيرٍ أَوْ مَسْجُونٍ مَثَلًا وَقُلْت لَهُ: تَطْلُعُ الشَّمْسُ عِنْدَ مَجِيءِ زَيْدٍ لَكَانَ الْمَجِيءُ زَمَنَ الطُّلُوعِ.

وَالصَّلَاةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدُّعَاءِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، هَذَا مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءُ، وَقِيلَ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ، وَقِيلَ هُمَا عَظْمَاتُ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقِيلَ مِنْ الرَّحْمَةِ فَهِيَ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ، فَتَدْخُلُ سَجْدَةٌ لِتِلَاوَةٍ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ.

وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي السَّمَاءِ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ بِالْأَرْضِ وَفَرَضَهَا عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَى أُمَّتِهِ، وَفِي السَّمَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَزِيَّتِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ وَزِيدَتْ أَوْ أَرْبَعًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ ثُمَّ قُصِرَتْ قَوْلَانِ، وَكَانَ الْفَرْضُ قَبْلَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ.

وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ مِنْهَاجِ الشَّافِعِيَّةِ مَعْزُوًّا لِلرَّافِعِيِّ: أَنَّ الصُّبْحَ صَلَاةُ آدَمَ، وَالظُّهْرَ صَلَاةُ دَاوُد، وَالْعَصْرَ صَلَاةُ سُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ، وَأَوْرَدَ خَبَرًا فِي ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ الْقَرَافِيِّ فَيَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَعَلَى الْعَيْنِيَّةِ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَوُفِّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُولَ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ مُبْهَمَةً وَبَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ.

قَالَ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: ٧٨] الْآيَةَ، فَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ: الظُّهْرِ بِدُلُوكِهَا وَهُوَ مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعِشَاءِ بِغَسَقِ اللَّيْلِ، وَعَلَى الصُّبْحِ بِقُرْآنِ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: دَلَّتْ عَلَى الْخَمْسِ فَدُلُوكُهَا عَلَى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَغَسَقِ اللَّيْلِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقُرْآنِ الْفَجْرِ عَلَى الصُّبْحِ، وَقَالَ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] إلَى قَوْلِهِ: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] فَتُمْسُونَ دَلَّتْ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَتُصْبِحُونَ عَلَى الصُّبْحِ، وَعَشِيًّا عَلَى الْعَصْرِ، وَتُظْهِرُونَ عَلَى الظُّهْرِ.

(وَ) فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ (أَسْمَائِهَا) لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا وَاجِبَةٌ كَمَعْرِفَةِ أَوْقَاتِهَا لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ فِي نِيَّتِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى وُجُوبِهَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَجَاحِدُ وُجُوبِهَا أَوْ رُكُوعِهَا أَوْ سُجُودِهَا كَافِرٌ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةً أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَبَاقِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ

١ -

وَشُرُوطُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا فَقَطْ، وَقِسْمٌ شَرْطٌ فِي صِحَّتهَا فَقَطْ، وَالثَّالِثُ شَرْطٌ فِيهِمَا، فَالْأَوَّلُ اثْنَانِ: عَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهَا وَالْبُلُوغُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَخَمْسَةٌ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالِاسْتِقْبَالُ وَتَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ سِتَّةٌ: قَطْعُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْعَقْلُ وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ وَوُجُودُ الْمَاءِ أَوْ الصَّعِيدِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَالسَّهْوِ وَدُخُولُ الْوَقْتِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْقَرَافِيِّ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ سَبَبٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ خِطَابِ الْمُكَلَّفِ بِالصَّلَاةِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ خِطَابِهِ بِهَا، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَكُلُّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتَانِ: أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ ضَرُورِيٌّ وَاخْتِيَارِيٌّ، وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَإِمَّا وَقْتٌ تَوْسِعَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ كُلِّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَبَدَأَ بِبَيَانِ وَقْتِ الصُّبْحِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةِ النَّهَارِ فَقَالَ: (أَمَّا صَلَاةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>