للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ

وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

دَرَجَةً» أَيْ صَلَاةً وَحُكْمُهَا فَلَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَلْزَمُهُ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ وَالْبَعْدِيُّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى إمَامِهِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهَا فَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى يَسَارِهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا الْمُتَقَدِّمُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا أَدْرَكَ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ دُونَ رَكْعَةٍ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ هُنَا يَكُونُ بِتَحَقُّقِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهَا وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ سَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ زُوحِمَ عَنْهُمَا أَوْ نَعَسَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِمَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.

وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا الْحُصُولُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا حُصُولُ الْفَضْلِ، وَلَوْ فَاتَتْهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا خِلَافًا لِتَقْيِيدِ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ بِمَا إذَا فَاتَهُ وَبَاقِي الصَّلَاةِ اضْطِرَارًا، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ الِاخْتِيَارِيِّ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ، وَلَوْ أَخَّرَ اخْتِيَارًا، وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا يُعِيدُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا، وَقَوْلُنَا بِتَحَقُّقِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إلَخْ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ وَضَعَهُمَا قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَيُلْغِيهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا وَيَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَإِنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَدْرَكَهُ رَافِعًا مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ بِاتِّفَاقٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَخِرُّ سَاجِدًا مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْفَعُ، فَإِنْ فَعَلَ وَرَفَعَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَتَى بَدَلَهَا بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَهَذَا إذَا تَيَقَّنَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الرَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَمِثْلُ تَيَقُّنِ عَدَمِ الْإِدْرَاكِ الشَّكُّ، وَلِلْأُجْهُورِيِّ مَا مُحَصِّلُهُ: أَنَّ مَنْ انْحَنَى مَعَ الْإِمَامِ مَعَ تَيَقُّنٍ أَوْ ظَنٍّ أَوْ شَكِّ الْإِدْرَاكِ وَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ يَرْفَعُ مَعَ الْإِمَامِ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَّ سَاجِدًا لَمْ تَبْطُلْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حِينَ الِانْحِنَاءِ يَتَيَقَّنُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ وَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ فَهَذَا يَخِرُّ سَاجِدًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَفَعَ غَيْرَ سَاهٍ.

١ -

(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: الْجَمَاعَةُ بِفَرْضٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْفَرْضُ حَاضِرًا أَوْ فَائِتًا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْبَلَدِ وَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَفِي حَقِّ كُلِّ مُرِيدِ صَلَاةٍ فَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يُوقِعَ صَلَاتَهُ فِي جَمَاعَةٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ جَامِعًا بَيْنَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ: إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْبَلَدِ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُجْبَرُونَ عَلَى إحْضَارِ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ امْتَنَعُوا أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ بِالْقِتَالِ، وَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ بِالْإِمَامِ، وَيُسَنُّ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا إقَامَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَيَنْدُبُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ إقَامَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَقِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ مَنْدُوبَةٌ وَطَلَبُ الْجَمَاعَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

قَالَ الْقَيْسِيُّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ: وَالنِّسَاءُ فِيهَا كَالرِّجَالِ لِحَدِيثِ. «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ إقَامَتَهَا لِلنِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» وَفِي لَفْظٍ: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَتَّى لَا يَتَنَافَيَا بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ، أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ تَفَضَّلَ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا ثَانِيًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِثَمَانٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَاحِدَةٌ كَصَلَاةِ الْفَذِّ وَبِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ،

١ -

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ يُحَصِّلُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا كَالتَّكْبِيرِ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ إتْيَانِهَا بِبَاقِيهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَتَى بَقَاءُ التَّفْرِيعِ فَقَالَ: (فَلْيَقْضِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مَا فَاتَهُ) قَبْلَ دُخُولِهِ مَعَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ (عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ) فَمَا قَرَأَ فِيهِ الْإِمَامُ بِأُمِّ الْقُرْآن وَسُورَةٍ جَهْرًا أَوْ سِرًّا يَقْرَأُ فِيهِ كَذَلِكَ.

(وَأَمَّا) حَالُهُ (فِي) نَحْوِ (الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ فَفِعْلُهُ) فِيهِ (كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ) قَالَ خَلِيلٌ: وَقَضَى الْقَوْلَ وَبَنَى الْفِعْلَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ مَعَ إمَامِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ وَقَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي الْأَقْوَالَ وَيَبْنِي فِي الْأَفْعَالِ، وَحَقِيقَةُ الْقَضَاءِ جَعْلُ مَا فَاتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا أَدْرَكَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَالْبِنَاءُ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَا فَاتَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ عَكْسَ الْقَضَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ الْقِرَاءَةُ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَهُوَ بَانٍ فِيهِ، فَلِذَا يَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِذَا أَدْرَكَ ثَانِيَةَ الصُّبْحِ يَقْنُتُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>