للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ وَمَنْ سَافَرَ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا

وَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَتَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ ثُمَّ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَاب فِي صَلَاة السَّفَر]

(بَابٌ فِي) صِفَةِ (صَلَاةِ) الْفَرْضِ فِي زَمَنِ (السَّفَرِ)

لِأَنَّ السَّفَرَ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا قَطْعُ مَسَافَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لِقَصْدٍ شَرْعِيٍّ، فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ سَفَرًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّفَرِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَالْكَشْفُ، يُقَالُ: أَسْفَرَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ وَجْهِهَا إذَا كَشَفَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَيَكْشِفُهَا، قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَكِّيَ رَجُلًا عِنْدَهُ: هَلْ سَافَرْت مَعَهُ؟ وَأَشَارَ إلَى بَيَانِ الْمَسَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ سَافَرَ) أَيْ شَرَعَ فِي سَفَرٍ (مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) ذَهَابًا مَقْصُودًا قَطَعَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَطَعَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِنَحْوِ طَيَرَانٍ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الشَّرْعِ لِلْمَسَافَةِ، وَالْبُرُدُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ بَرِيدٍ وَقَدْرُهُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَهِيَ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٌ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا) هَاشِمِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ فِي الْبَحْرِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْبَرُّ أَوْ الْبَحْرُ، وَلِلْبَعْضِ تَفْصِيلٌ اُنْظُرْهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ،

وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمِيلِ فَقِيلَ أَلْفًا ذِرَاع وَشَهَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمِرْفَقِ إلَى آخِرِ الْأُصْبُعِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ بَطْنُ إحْدَاهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى كُلُّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَقَلِّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَحَدُّهَا بِالزَّمَانِ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَقْصُرُ فِي أَرْبَعِينَ، وَجَوَابُ مَنْ سَافَرَ إلَخْ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ (الصَّلَاةَ) الرُّبَاعِيَّةَ الْوَقْتِيَّةَ أَوْ الْفَائِتَةَ فِيهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْمُتَأَكَّدُ لَا الْوُجُوبُ الْحَقِيقِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ أَنْكَرَهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: سُنَّ لِمُسَافِرٍ غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ وَلَوْ بِبَحْرٍ ذَهَابًا قُصِدَتْ دَفْعَةً قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ وَقْتِيَّةٍ أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ أَوْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى السُّنِّيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْقَصْرِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا سَافَرُوا قَصَرُوا» ثُمَّ فَسَّرَ الْقَصْرَ بِقَوْلِهِ: (فَيُصَلِّي) الرُّبَاعِيَّةَ الْحَاضِرَةَ أَوْ الْفَائِتَةَ فِي السَّفَرِ (رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُصِرَتْ صَارَتْ رَكْعَةً وَنِصْفًا وَلَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرْعِ.

، وَإِنْ كَمُلَتْ كَتَكْمِيلِ طَلْقَةِ الْعَبْدِ صَارَتْ شَفْعًا فَيَفُوتُ غَرَضُ الشَّارِعِ مِنْ جَعْلِهَا وِتْرًا، وَمَفْهُومُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَنَّ مَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ الْقَصْرُ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ مُحَصِّلُهُ أَنَّ نَحْوَ الْمَكِّيِّ وَالْمَنْوِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي حَالِ خُرُوجِهِمْ لِعَرَفَةَ لِلنُّسُكِ فَقَطْ وَرُجُوعِهِمْ مِنْهَا، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ الْقَصْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَلَكِنْ إنْ قَصَرَ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا فَأَقَلَّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتُعَادُ أَبَدًا، وَإِنْ قَصَرَ فِي أَرْبَعِينَ مِيلًا فَصَحِيحَةٌ وَلَا تُعَادُ وَلَا فِي الْوَقْتِ، وَإِذَا قَصَرَ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسَةِ وَثَلَاثِينَ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ هَكَذَا فَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ.

وَفِي التَّوْضِيحِ: أَنَّ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يُعِيدُ أَبَدًا وَلَعَلَّهُ طَرِيقَةٌ لِغَيْرِ ابْنِ رُشْدٍ وَتَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ سَافَرَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَشَقَّةُ الصَّلَاةِ بِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ.

(تَنْبِيهٌ) : مَنْ سَافَرَ وَبِهِ مَانِعٌ كَحَيْضٍ أَوْ كُفْرٍ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَافَةِ انْتَظَرَ مَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَغَيْرُهُ.

ثُمَّ بَيَّنَ مَبْدَأَ الْقَصْرِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَقْصُرُ) أَيْ لَا يَصِحُّ قَصْرُ الْمُسَافِرِ (حَتَّى يُجَاوِزَ) أَيْ يَتَعَدَّى (الْبَلَدِيُّ بُيُوتَ الْمِصْرِ وَتَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) قَالَ خَلِيلٌ: إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ الْمُتَّصِلَةَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا وَمَسَاكِنُهَا بِمَرَافِقَ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>