للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي الصِّيَامِ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ

يُصَامُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَيُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ كَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ

ــ

[الفواكه الدواني]

[بَاب فِي الصِّيَام]

ِ) وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَالتَّرْكُ وَالصَّمْتُ وَلِوُقُوفِ الْفَرَسِ، وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتِي الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ وَكَسْرُهَا وَتَصْفِيَةُ مِرْآةِ الْعَقْلِ وَتَنْبِيهُ الْعَبْدِ عَلَى مُوَاسَاةِ الْجَائِعِ وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ بَالِغٍ مُطِيقٍ لَهُ غَيْرِ مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، إلَى قَوْلِهِ: «وَصَوْمِ رَمَضَانَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ انْعَقَدَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، فَمَنْ جَحَدَهُ قُتِلَ كُفْرًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَنْ اعْتَرَفَ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ عِنَادًا أَوْ كَسَلًا فَنَقَلَ ابْنُ نَاجِي أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ بَعْدَ تَأْخِيرِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ مِقْدَارَ مَا يُوقِعُ فِيهِ النِّيَّةَ، وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ، وَحِين فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ الشَّخْصُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ، ثُمَّ نُسِخَ التَّخْيِيرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وَوَجَبَ الصَّوْمُ إلَى اللَّيْلِ، وَأُبِيحَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ نَوْمُ أَحَدِهِمَا فَيَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ، فَاخْتَارَ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - زَوْجَتَهُ وَكَذَّبَهَا فِي أَنَّهَا نَامَتْ وَوَطِئَهَا فَنَزَلَ " عَلِمَ اللَّهُ " إلَى قَوْلِهِ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] وَفِي الذَّخِيرَةِ: اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ فِي الْإِسْلَامِ فَقِيلَ عَاشُورَاءُ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ اسْمٌ لِلشَّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ» كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ رَمَضَانَ غَيْرِ مُضَافٍ لِلشَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الشَّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ، وَسُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ بِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَرْمَدُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرُقُهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ صَوْمِ رَمَضَانَ شَرَعَ فِي بَيَانِ

[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

مَا يَثْبُتُ بِهِ بِقَوْلِهِ: (يُصَامُ) أَيْ شَهْرُ رَمَضَانَ (لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) حَيْثُ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ الْجَمَاعَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَيْ الْكَثِيرَةُ الَّذِينَ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَإِنَّ خَبَرَهُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ الْقَرِيبَ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَنِ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، وَلَا بَيْنَ الْمِصْرِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ الْوَاحِدُ الْمَوْثُوقُ بِخَبَرِهِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَحَلُّ لَا يَعْتَنِي فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فِي حَقِّ أَهْلِ الرَّأْيِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ فِي حَقِّ أَهْلِهِ وَلَوْ صَدَّقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ وَلَوْ مُتَأَوِّلًا؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ بَعِيدٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ، وَالْمُخْتَارُ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ فَتَأْوِيلَانِ وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ، مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَبِّرٌ بِدُخُولِ وَقْتٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَسْتَنِدُ فِي إخْبَارِهِ إلَى أَمْرٍ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَخْطَأَ لَنَبَّهَهُ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ الْهِلَالِ وَلَا سِيَّمَا جَمِيعُ النَّاسِ حَرَصَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَهُمْ كَالْمُعَارِضِينَ لِمُدَّعِي الرُّؤْيَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِرُؤْيَةٍ أَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ إنَّهُ مَوْجُودٌ وَلَكِنْ لَا يُرَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا يُعَوِّلُ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى الْوُجُودِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) : سُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا لِرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَيُسَمَّى بِذَلِكَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ ثُمَّ بَعْدُ يُسَمَّى قَمَرًا، وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ.

(وَ) كَمَا يَجِبُ الصَّوْمُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ) أَيْ هِلَالِ شَوَّالٍ فَالضَّمِيرُ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِلَالُ رَمَضَانَ وَالثَّانِي هِلَالُ شَوَّالٍ وَسَوَاءٌ (كَانَ) رَمَضَانُ (ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ يَأْتِي كَامِلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>