للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ مَعَ الْقَضَاءِ

وَالْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ

وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ

ــ

[الفواكه الدواني]

قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مَوْجُودٍ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ فِي مَشْيِهِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ وَأَفْطَرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ مَنْ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ وَيُفْطِرُ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ صَاحِبَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ، فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّأْوِيلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ

. (وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ) وَاجِبَةٌ (عَلَى مَنْ أَفْطَرَ) فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ (مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ) أَوْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا تَأْوِيلًا بَعِيدًا. قَالَ خَلِيلٌ: وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وَجَهِلَ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ جِمَاعًا أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ، أَوْ رَفَعَ نِيَّةً نَهَارًا، أَوْ كَانَ فِطْرُهُ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ، أَوْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَ مَنِيٍّ وَإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْكَفَّارَةِ خَمْسٌ: الْعَمْدُ وَالِاخْتِيَارُ وَالِانْتِهَاكُ لِلْحُرْمَةِ وَالْعِلْمُ بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ وَإِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ جَهْلِ رَمَضَانَ فَيُسْقِطُهَا اتِّفَاقًا، وَخَامِسُ الشُّرُوطِ كَوْنُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْ الْمُكَفِّرِ فَتَجِبُ. (مَعَ الْقَضَاءِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَيَجِبُ مَعَهَا الْقَضَاءُ إنْ كَانَتْ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ عَلَيْهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُقَيِّدْ الْأَكْلَ بِالْفَمِ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْفَمِ، وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَ بِمَا وَصَلَ مِنْ أَنْفِهٍ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ رَأْسِهِ كَدَهْنِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا نَهَارًا بِمَا يَصِلُ إلَى حَلْقِهَا لَوَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ وُصُولُ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ إلَى الْجَوْفِ فَلَا كَفَّارَةَ بِمَا يَصِلُ إلَى الْحَلْقِ، وَرَدَّهُ وَإِنْ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِوُصُولِ الْمُنْحَلِ إلَى الْحَلْقِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُنْحَلِ نَحْوِ الدِّرْهَمِ يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ وَيَرُدُّهُ فَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْجِمَاعِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ عَلَى الْفَاعِلِ، لَا إنْ وَطِئَ الصَّائِمُ الْبَالِغُ غَيْرَ الْمُطِيقَةِ وَلَمْ يُنْزِلْ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَبِيرَةٍ وَطِئَهَا صَبِيٌّ وَلَمْ تُنْزِلْ وَمَعَ الْمَذْيِ الْقَضَاءُ.

الثَّانِي: إذَا عَرَفْت مَا ذَكَرْنَاهُ لَك مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، عَلِمْت أَنْ حَصْرَ الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةَ فِي تَعَمُّدِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْغَالِبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَجِبُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرَهُ.

الثَّالِثُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ مَا إذَا تَعَدَّدَ مِنْهُ مُوجِبُ الْكَفَّارَةِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَكَلَاتِ أَوْ الْوَطَآتِ، وَلَا بِأَكْلٍ وَوَطْءٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ لِلْأَوَّلِ كَفَّارَةً قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَهَذَا حُكْمُ الْكَفَّارَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِهِ فَتَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ بِتَعَدُّدِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ.

الرَّابِعُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَّارَةِ الِانْتِهَاكُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِالظَّاهِرِ، وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، أَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَائِضٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، خِلَافًا لِحَمْدِيسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَتْ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَأْتِيهَا بَعْدَ فِطْرِهَا الْحَيْضُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ.

الْخَامِسُ: صَرِيحُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَأَمَّا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الْجِمَاعِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَا الْقَضَاءُ، كَمَنْ عَزَمَ عَلَى نَقْضِ وُضُوئِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ النَّاقِضُ بِالْفِعْلِ وَلَا يُعَدُّ قَصْدُهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ رَفْضًا، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) الْكُبْرَى (فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَكْلِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فِي حَقِّ الْحُرِّ الرَّشِيدِ وَأَشَارَ إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إطْعَامُ) أَيْ تَمْلِيكُ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمِسْكِينِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ وَثَانِي مَفْعُولَيْ إطْعَامُ (هَذَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، كَمَا لَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ وَلَا لِأَكْثَرَ، وَيَسْتَرْجِعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا زَادَ عَلَى الْمُدِّ إنْ كَانَ بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ وَبَقِيَ بِيَدِهِ وَكَمَّلَ السِّتِّينَ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْ يَدِهِ فَلَا يُتْبَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَلِّطُ لَهُ فِي إتْلَافِهِ، وَيُكْمِلُ لِمَنْ أَخَذَ النَّاقِصَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَمِقْدَارُ الْمُدِّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَهُوَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَيْنِ، وَهَلْ تَكُونُ مِنْ عَيْشِ الْمُكَفِّرِ أَوْ مِنْ غَالِبِ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ؟ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُجْزِئُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَأَفْضَلُ أَنْوَاعِهَا الْإِطْعَامُ. فَلِذَلِكَ صَدَّرَ بِهِ وَقَالَ: (فَذَلِكَ) أَيْ الْإِطْعَامُ (أَحَبُّ إلَيْنَا) مُعْظَمِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْمُصَنِّفِ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِطْعَامُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا وَأَفْضَلِيَّةً فِي حَقِّ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَكَفَّرَ إنْ تَعَمَّدَ بِلَا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وَجَهِلَ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ جِمَاعًا أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِفَمٍ فَقَطْ، بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مُدٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>