للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْأَفْضَلُ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَأَهْلُ نَجْدٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا السَّبِيلَ بِالِاسْتِطَاعَةِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ شِبْهَ اسْتِخْدَامٍ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ فِي الْأَوَّلِ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ وَالسَّبِيلُ الثَّانِي بِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَعَ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي وُجُوبِهِ حَيْثُ قَالَ: وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ، بِقَوْلِهِ: بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ إلَخْ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَالسَّبِيلُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ قَصَدَ بِهَا تَفْسِيرَ الِاسْتِطَاعَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالِاسْتِطَاعَةُ الْمَفْهُومَةُ مَنْ اسْتَطَاعَ الطَّرِيقَ الْمَأْمُونَةَ وَالزَّادَ وَالْقُوَّةَ عَلَى الْوُصُولِ مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِرَكَاكَةِ التَّرْكِيبِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالتَّرَاكِيبِ.

الثَّانِي: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا أَنَّ الْبَحْرَ كَالْبَرِّ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ شَامِلٌ لِرُكُوبِ السَّفِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ يَلْزَمُ عَلَى السَّفَرِ فِيهِ تَضْيِيعُ الصَّلَاةِ أَوْ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، لِكَمَيْدٍ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ لِعُمُومِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ بَعِيدًا فَيَلْزَمُ الْحَجُّ الرَّجُلَ دُونَ الْمَرْأَةِ، كَمَا لَا يَلْزَمُهَا فِي سَفَرٍ لِلْبَحْرِ إلَّا أَنْ تَخُصَّ بِمَكَانٍ فَيَلْزَمُهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا بُدَّ فِي سَفَرِهَا مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْمُحْرِمِ أَوْ الزَّوْجِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِمَا، لَكِنْ فِي حَجِّ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ.

[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ] ١

(فَائِدَةٌ) : وَقَعَ خِلَافٌ فِيمَنْ غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَسْقُطُ لِصِحَّتِهِ بِهِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ لَا يَسْقُطُ لِبُطْلَانِهِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَهُوَ الْمُسْتَطِيعُ وَبَيَّنَ الِاسْتِطَاعَةَ، شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْحَجِّ، لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي شَيْءٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَرْكَانَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي صِفَتِهِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ الْمَطْلُوبَ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الْإِحْرَامُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. وَيَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ اثْنَيْنِ وَهُمَا: الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ، وَأَمَّا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَلَا يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِمَا بَلْ يَأْتِي بِهِمَا وَلَوْ فَاتَ الْعَامُ، وَحَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ فِي اللُّغَةِ الدُّخُولُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي حُرْمَةِ الْحَجِّ أَوْ الصَّلَاةِ، وَشَرْعًا قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: هُوَ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ، فَالْقَوْلُ كَالتَّلْبِيَةِ وَالْفِعْلُ كَالتَّوَجُّهِ إلَى الطَّرِيقِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُرْمَةَ مُقَدَّمَاتِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا وَإِلْقَاءِ الشَّعَثِ وَالطِّيبِ، وَلُبْسِ الذَّكَرِ الْمَخِيطِ وَالْمُحِيطِ وَالصَّيْدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا يَمْنَعُهُ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ) : الْقَادِمُ مِنْ أُفُقِهِ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ) : الْمَعْرُوفِ لِبَلَدِهِ الَّذِي قَدِمَ مِنْهُ الْآتِي بَيَانُهُ، وَيُكْرَهُ إحْرَامُهُ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِيُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فِي الْحَرَمِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ فِي الْحَرَمِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَوْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الرُّجُوعِ عَلَى مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَالًا أَنْ لَا يَخَافَ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ رُفْقَتِهِ بِرُجُوعِهِ، وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ وَمَضَى فِي الْحَرَمِ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ الْمُتَرَدِّدِينَ عَلَى مَكَّةَ كَالْمُتَسَبَّبِينَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ وَالْحَطَّابِينَ، وَالْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ رَافِضًا سُكْنَاهَا وَيَرْجِعُ لَهَا لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا وَخَرَجَ مِنْهَا سَرِيعًا، وَكَذَا مَنْ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ قَرِيبٍ وَرَجَعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ زَمَنًا كَثِيرًا فَلَا إحْرَامَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ

١ -

(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ إلَّا مَكَانَ الْإِحْرَامِ وَسَكَتَ عَنْ زَمَانِهِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ أَكْمَلَ بَيَانٍ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ الَّذِي يُكْرَهُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ شَوَّالٌ إلَى طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْآفَاقِ بِخِلَافِ مِيقَاتِهِ الْمَكَانِيِّ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ كُرِهَ وَانْعَقَدَ، كَمَا يُكْرَهُ إيقَاعُهُ قَبْلَ مَكَانِهِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ، وَأَمَّا إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ فَوَقْتُهُ الزَّمَنُ كُلُّهُ وَلَوْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ، إلَّا مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهَا إلَّا بَعْدَ تَحْلِيلِ الْحَجِّ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا إلَّا مَكَانَ إحْرَامِ الْقَادِمِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ إحْرَامِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمَحَلُّهُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ وَنُدِبَ الْمَسْجِدُ وَلَوْ كَانَ الْمُقِيمُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَمِثْلُ الْمُقِيمِ بِهَا مَنْ قَرُبَ مِنْهَا كَالْمَنْوِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ وَكُلُّ مَنْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ الْمُقِيمُ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهَا وَلِلْقُرْآنِ الْحِلُّ وَالْجِعْرَانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ، وَتُطْلِقُ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ الْعُمْرَةَ

وَلَمَّا كَانَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْآفَاقِ الْمَكَانِيِّ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِهِمْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَ) : أَهْلِ (مِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ) وَمَنْ خَلْفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ وَأَهْلِ الرُّومِ وَالتَّكْرُورِ (الْجُحْفَةُ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى خَمْسِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَثَمَانٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْهَا حَيْثُ مَرُّوا بِهَا. (فَإِنْ مَرُّوا) : أَيْ أَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَمَنْ مَعَهُمْ (بِالْمَدِينَةِ) : الْمُشَرَّفَةِ (فَالْأَفْضَلُ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا) : وَهُوَ (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) :؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا نُدِبَ الْإِحْرَامُ فِي حَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>