للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قَرْنٍ وَمَنْ مَرَّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالْمَدِينَةِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ

وَيُحْرِمُ الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ بِإِثْرِ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك

ــ

[الفواكه الدواني]

هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَهُمْ أَمَامَهُمْ، وَلِهَذَا لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَذْهَبُوا إلَى مَكَّةَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَا يَمُرُّونَ عَلَى مِيقَاتِهِمْ وَلَا يُحَازُونَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَمَا يَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْحُلَيْفَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْفَاءِ تَصْغِيرُ حَلْفَةٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ مَاءٍ لِبَنِي جُشَمٍ بِالْجِيمِ وَالشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهَذَا الْمِيقَاتُ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى عَشْرِ أَوْ تِسْعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَيُسَمَّى مَسْجِدُهَا مَسْجِدَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ خَرِبَ، وَبِهَا بِئْرٌ تُسَمِّيهَا الْعَوَامُّ بِئْرَ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا الْمِيقَاتِ خُصُوصِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مِنْهُ يُحْرِمُ مَنْ حَرَمٍ وَيَحِلُّ فِي حَرَمٍ، فَفِيهِ شَرَفُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَأَيْضًا هُوَ مِيقَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَمِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ) : وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ (ذَاتُ عِرْقٍ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ كَانَ قَرْيَةً وَخَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، يُقَالُ إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ فَيَتَحَرَّى مُرِيدُ الْإِحْرَامِ مَكَانَ الْقَرْيَةِ الْقَدِيمَةِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ،؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ مُعْتَبَرَةٌ بِأَنْفُسِهِمَا لَا بِأَسْمَائِهَا، فَلَوْ تَحَوَّلَتْ الْبَلَدُ أَوْ تَغَيَّرَ اسْمُهَا فَالْمُعْتَبَرُ الْمَحَلُّ الْأَصْلِيُّ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمِنْ عَلَامَاتِ ذَاتِ عِرْقٍ الْمَقَابِرُ الْقَدِيمَةُ.

(وَ) : مِيقَاتُ (أَهْلِ الْيَمَنِ) : وَالْهِنْدِ (يَلَمْلَمُ) : بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَاللَّامِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالْمِيمُ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِيمٌ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ.

(وَ) : مِيقَاتُ (أَهْلِ نَجْدٍ) الْيَمَنِ وَنَجْدٍ وَالْحِجَازِ (قَرْنٌ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ لَا قَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَعَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَالثَّعَالِبِ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْجِبَالِ، قَالَ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ لِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا، وَأُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةِ قَرَنٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ بَطْنٌ مِنْ مُرَادَ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْدِيدِ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَيَخْرُجُ يُحْرِمُ بِهَا مِنْ الْحِلِّ» قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ: هَذَا التَّحْدِيدُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «؛ لِأَنَّهُ حَدَّدَ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ الْبِلَادَ» ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ بَزِيزَةَ: عَلِمَهُ بِالْوَحْيِ فِي فَتْحِ الْمَدَائِنِ وَالْأَقْطَارِ لِأُمَّتِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَحْدِيدٌ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ، وَلِابْنِ حَبِيبٍ تَقْرِيبٌ، وَيُرْوَى أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ لَهُ نُورٌ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَصِلُ آخِرُهُ لِهَذِهِ الْحُدُودِ، فَمَنَعَ الشَّارِعُ مُجَاوَزَتَهَا الْمُرِيدَ الْحَجَّ بِلَا إحْرَامٍ تَعْظِيمًا لِتِلْكَ الْآيَاتِ، وَلَمَّا قَدَمَ أَنَّ نَحْوَ الْمَصْرِيِّ وَالشَّامِيِّ إذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ يُنْدَبُ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ غَيْرُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ: (وَمَنْ مَرَّ مِنْ هَؤُلَاءِ) : الْجَمَاعَةِ أَعْنِي أَهْلَ الْعِرَاقِ وَأَهْلَ الْيَمَنِ وَأَهْلَ نَجْدٍ (بِالْمَدِينَةِ) : الْمُشَرَّفَةِ (فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) : وَعَلَّلَ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ) : بِالتَّنْوِينِ (لَهُ) : بِخِلَافِ نَحْوِ الْمِصْرِيِّ إذَا مَرَّ عَلَيْهِ يَصِيرُ مِيقَاتُهُ أَمَامَهُ، فَلِذَا نُدِبَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ إحْرَامِ مَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَمَكَّةَ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَيُنْدَبُ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْأَبْعَدِ لِمَكَّةَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْ مَنْزِلِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمَوَاقِيتِ، وَيَلْزَمُ مَنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ حَتَّى جَاوَزَ مَنْزِلَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهُ الدَّمُ، كَمَا يَلْزَمُ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتِ حَلَالًا وَأَحْرَمَ مِنْهُ، وَكُلُّ مَنْ سَارَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الْمُوَصِّلَةِ لِلْمِيقَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عِنْدَ مُحَاذَاتِهِ الْمِيقَاتَ الْمُعَدَّلَةَ وَلَوْ مَرَّ فِي الْبَحْرِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ وَلَوْ بِبَحْرٍ، أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ حِينَئِذٍ إلَّا لِمَصْرِيٍّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ فَهُوَ أَوْلَى وَإِنْ لِحَائِضٍ.

الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِ أَنْ يُبَادِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ، كَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا إزَالَةُ شَعَثِهِ كَتَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ، وَإِزَالَةِ أَدْرَانِهِ وَشَعْرِ مَا عَدَا رَأْسَهُ فَالْأَفْضَلُ إبْقَاؤُهُ وَتَلْبِيدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ سَتْرُهُ بِأَيِّ سَاتِرٍ وَلَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ أَوْ مَخِيطٍ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا تَرْكُ التَّلَفُّظِ عَنْ الْإِحْرَامِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّيَّةِ، كَمَا يُكْرَهُ لَهُ التَّلَفُّظُ بِنَوَيْت فِي الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَسْوِسًا أَوْ يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ مَنْدُوبَةٌ.

[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

وَلَمَّا بَيَّنَ مَكَانَ الْإِحْرَامِ وَبَيَّنَّا زَمَانَهُ شَرَعَ الْآنَ فِي صِفَتِهِ وَذَكَرَ سُنَّتَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُحْرِمُ الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ) : سَيَأْتِي مَعْنَى يُحْرِمُ أَيْ يَنْوِي مَا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (بِإِثْرِ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ) : وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>