للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَالْخِتَانُ سُنَّةٌ فِي الذُّكُورِ وَاجِبَةٌ.

وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ.

ــ

[الفواكه الدواني]

وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَالْحَسَنِ وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةٍ، وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً» .

وَلَمَّا قَدَّمَ كَرَاهَةَ تَلْطِيخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ خِلَافًا لِلْجَاهِلِيَّةِ بَيَّنَ الْمُسْتَحَبَّ بِقَوْلِهِ: (وَ) أَمَّا (إنْ خُلِّقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ طُيِّبَ (رَأْسُهُ) أَيْ الْمَوْلُودِ (بِخَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ طِيبٍ كَزَعْفَرَانٍ مَعْجُونٍ بِوَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ (بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) ، وَلَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ لَمَا بَعُدَ لِعُمُومِ طَلَبِ مُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ.

١ -

(خَاتِمَةٌ) بَقِيَ أَشْيَاءُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا يَوْمَ السَّابِعِ، مِنْهَا: تَسْمِيَتُهُ إنْ عَقَّ عَنْهُ، وَإِلَّا سَمَّى قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ أُرِيدَ الْعَقُّ عَنْهُ قَبْلَ الْعَقِيقَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلَانِ: مَالِكٌ لَا يُسَمَّى وَابْنُ حَبِيبٍ يُسَمَّى يَوْمَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَدَمَ تَسْمِيَةِ السِّقْطِ، وَالتَّسْمِيَةُ حَقٌّ لِلْأَبِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ فَيَخْتَارُ لَهُ أَفْضَلَ الْأَسْمَاءِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: أَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ ذُو الْعُبُودِيَّةِ لِخَبَرِ: «أَحَبُّ أَسْمَائِكُمْ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» «وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ» .

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَتُمْنَعُ بِمَا قَبَحَ كَحَرْبٍ وَحَزَنٍ وَبِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ كَبَرَكَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَتَحْرُمُ بِمِلْكِ الْأَمْلَاكِ.

وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ: لَا يَنْبَغِي بِيَاسِين أَوْ حَكِيمٍ أَوْ عَزِيزٍ، وَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافٍ فِي الْجَوَازِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ التَّسْمِيَةَ بِجِبْرِيلَ، وَكَرِهَهَا الْحَارِثُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْوِلَادَةِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فِي أَذَانِ الْمَوْلُودِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْبَقَ إلَى جَوْفِهِ الْحَلَاوَةُ،

وَلَمَّا كَانَ الْخِتَانُ وَالْخِفَاضُ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الضَّحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الطَّلَبِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ ذَكَرَهُمَا عَقِبَهُمَا فَقَالَ: (وَالْخِتَانُ فِي الذَّكَرِ) ، وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لِلْحَشَفَةِ بِحَيْثُ يَنْكَشِفُ جَمِيعُهَا. (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ مَنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَجُزْ إمَامَتُهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَتِمُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِالْخِتَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى سُنِّيَّتِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ» وَزَمَنُ الْخِتَانِ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِكٍ الْإِثْغَارُ، وَهُوَ زَمَنُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَأَحْرَى يَوْمُ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ فِعْلِ الْيَهُودِ إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْهُ عِنْدَ تَأَخُّرِهِ لِزَمَنِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْمُوسَى أَوْ لَا؟ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَجْزِمْ بِإِجْرَائِهَا كَمَا قِيلَ فِيمَنْ تَحَلَّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى مَحَلِّ الشَّعْرِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِوُجُوبِ الْحِلَاقِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ دُونَ الْخِتَانِ.

(الْخِفَاضُ) الْمَطْلُوبُ (فِي النِّسَاءِ) ، وَهُوَ إزَالَةُ مَا بِالْفَرْجِ مِنْ الزِّيَادَةِ (مَكْرُمَةٌ) أَيْ خَصْلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا وَاعْتَمَدَهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا لِمُغَايَرَتِهِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ كَخِتَانِ الذُّكُورِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَلِلْحَدِيثِ: «كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ تَخْفِضُ الْجَوَارِيَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أُمَّ عَطِيَّةَ اخْفِضِي، وَلَا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» ، وَمَعْنَى لَا تَنْهَكِي لَا تُبَالِغِي فِي الْقَطْعِ. (خَاتِمَةٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ حَالِ الْخُنْثَى الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ، وَلَهُ فَرْجٌ هَلْ يُخْتَنُ أَوْ يُخْفَضُ؟ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا نَصًّا، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: يُخْتَنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ مَنْ يَتَوَلَّى خِتَانَهُ قَبْلَ اتِّضَاحِهِ، وَقِيلَ لَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ، ابْنُ نَاجِي: لَا يُخْتَنُ لِمَا عَلِمْت مِنْ قَاعِدَةِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ، وَالنَّظَرُ لِعَوْرَةِ الْكَبِيرِ الْمُرَاهِقِ أَوْ الْبَالِغِ حَرَامٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ: الْمُرَاهِقُ كَكَبِيرٍ، وَلَا يُرْتَكَبُ مُحَرَّمٌ لِفِعْلِ سُنَّةٍ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ إسْلَامُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِهِ كَمَالَ الْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ اشْتَرَى رَقِيقًا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ مُرَاهِقَةً؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ يُمْكِنُ الْمُكَلَّفُ تَحْصِيلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَقْتَضِي إسْقَاطَهَا وَحَرَّرَ ذَلِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لَكِنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهِ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ الْخَاتِنِ وَالْخَافِضِ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: يَخْتِنُ الرِّجَالُ الصِّبْيَانَ وَيَخْفِضُ النِّسَاءُ الْجَوَارِيَ لِمَنْعِ اطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرَّحَ بِحُكْمِ الْخِتَانِ وَالْخِفَاضِ، وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ أَهْمَلَهَا، فَكَمْ مِنْ كِتَابٍ صَغِيرٍ كَهَذَا الْكِتَابِ يُوجَدُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي أَكْبَرَ مِنْهُ.

[بَاب فِي الْجِهَاد]

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةِ، وَمَا مَعَهَا مِنْ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْكِفَائِيَّةِ وَبَدَأَ بِأَهَمِّهَا فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>