للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِيرَاثُ مِنْهُ إنْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ

وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِمِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِهِ الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ فِي الثُّلُثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا لَوْ صَحَّ فِي مَرَضِهِ لَصَحَّ نِكَاحُهُ، وَأَمَّا لَوْ فَسَخَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ لَهَا الْمُسَمَّى تَأْخُذُهُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبَدَّأً، وَإِنْ صَحَّ بَعْدَ الْفَسْخِ وَالْبِنَاءِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَقَوْلُهُ فِي الثُّلُثِ يُفِيدُ أَنَّ عَلَى الْمَرِيضِ بَعْدَ بِنَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثِهِ وَمِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ قَبْلَ فَسْخِ نِكَاحِهِ وَقَبْلَ بِنَائِهِ لَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ فِيهِ إذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ الصَّدَاقُ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا فَسَدَ لِعَقْدِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَمْ يُؤْثِرْ خَلَلًا فِي الصَّدَاقِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فِيهِ الصَّدَاقُ بِالْمَوْتِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَمُرَادُهُ بِالصَّدَاقِ الْأَقَلِّ مِنْ الْمُسَمَّى وَالثُّلُثِ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، إذْ لَا يُوجِبُ الْمَوْتُ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجِبُهُ الدُّخُولُ، وَهَذَا حُكْمُ مَرَضِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَرِيضُ الزَّوْجَةَ فَإِنَّهُ يُعَجَّلْ بِفَسْخِهِ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلَهَا الْمُسَمَّى.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَتُقَرَّرُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ حَرُمَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يُقَرَّرُ لَهَا بِهِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمُ مَرَضِ الزَّوْجَةِ فَقَطْ وَالزَّوْجِ فَقَطْ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ مَرِيضَيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا أَنَّهُ يُغَلَّبُ جَانِبُ الزَّوْجِ، فَعَلَيْهِ إنْ دَخَلَ الْأَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الثُّلُثِ وَالْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ الزَّوْجُ بِالْمَرَضِ وَبَقِيَ أَيْضًا لَوْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ فِي الْمَرَضِ أَوْ الصِّحَّةِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِوُقُوعِ الْعَقْدِ فِي الْمَرَضِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ بِوُقُوعِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَتَعَادَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَالظَّاهِرُ عَلَى جَرْيِ الْقَوَاعِدِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ.

(وَ) إذَا مَاتَ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ قَبْلَ فَسْخِ النِّكَاحِ (لَا مِيرَاثَ لَهَا) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ النِّكَاحِ فِي الْمَرَضِ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ وَارِثٍ، وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إدْخَالِهِ كَمَا نَهَى عَنْ إخْرَاجِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ) مَرَضًا مَخُوفًا (امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا) أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا (لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ) الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَنَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضِ وَوَرَثَتِهِ دُونَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَوَرِثَتْ أَزْوَاجًا وَإِنْ فِي عِصْمَةٍ، وَأَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ صِحَّةً بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ فِي زَمَنِ مَرَضِهِ لَمْ يَرِثْهَا، وَقَيَّدْنَا الْمَرَضَ بِالْمَخُوفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَفِيفِ فَلَا إرْثَ لَهَا إنْ مَاتَ فِيهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمِيرَاثِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَحُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ حُكْمُ غَيْرِهَا مِمَّنْ طَلُقَتْ فِي غَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَالنِّصْفِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهَا، وَإِنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً وَرِثَتْ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا عُدْوَانًا لَمْ تَرِثْهُ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ، وَمَفْهُومُ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ فَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَكَالثَّلَاثِ فَتَرِثُهُ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَمَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ يَتَوَارَثَانِ، وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا، وَمَفْهُومُ الْمَرِيضِ أَنَّ الصَّحِيحَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ مِنْ صَاحِبِ الْمَرَضِ الْخَفِيفِ إذَا طَلَّقَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَوْ دُونَ الثَّلَاثِ لَا تَوَارُثَ وَرَجْعِيًّا يَتَوَارَثَانِ.

[الطَّلَاق]

ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً يُعْلَمُ عِلْمُهَا مِمَّا مَرَّ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) الْمُرَادُ زَوْجَتُهُ (ثَلَاثًا) إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً فِي الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ عَكْسُ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَصْفُ الْمَرْأَةِ وَفَاعِلُ الطَّلَاقِ الرَّجُلُ: (لَمْ تَحِلَّ لَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِمِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَبْتُوتَةِ: حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ بِلَا مَنْعٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَاعْتَرَضَ وَلَمْ يُصِبْهَا فَفَارَقَهَا، فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُسَيْلَةِ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَهِيَ هُنَا مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ وَالْمُسَبَّبِيَّة.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ النِّكَاحِ، شَرَعَ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ لُغَةً إزَالَةُ الْقَيْدِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي إرْسَالِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ كَالْمُوثَقَةِ وَالْمُطَلِّقُ لَهَا كَأَنَّهُ أَطْلَقَهَا مِنْ وَثَاقِهَا، وَلِذَلِكَ تَقُولُ النَّاسُ لِلزَّوْجِ: هِيَ فِي حِبَالِك إذَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِك وَفِي عِصْمَتِك، وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ إصْلَاحًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حَلِيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ مُوجِبًا، تَكَرُّرُهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ، وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ، فَقَوْلُهُ مُوجِبًا بِالنَّصْبِ حَالٌ إمَّا مِنْ ضَمِيرِ تَرْفَعُ أَوْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>