للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ ثُمَّ تَعْتَدُّ كَعِدَّةِ الْمَيِّتِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ.

وَلَا يُورَثُ مَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ

ــ

[الفواكه الدواني]

فِي نَفْيِ الْعَيْبِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَازُ نَظَرِنَا إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ إذَا رَضِيَ عِنْدَ دَعْوَاهَا أَوْ بِدُبُرِهِ بَرَصًا أَوْ جُذَامًا، بَلْ كَانَ الرَّجُلُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَحَرِّرْهُ

[أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ فَقَالَ: (وَالْمَفْقُودُ) وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ مُمْكِنُ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَالْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْكَشْفُ عَنْهُ لَا يُسَمَّى مَفْقُودًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَفْقُودُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ إمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَوْضِعٌ وَكَانَ فَقْدُهُ فِي غَيْرِ مَجَاعَةٍ وَلَا وَبَاءٍ، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِالصَّبْرِ إلَى قُدُومِهِ فَلَهَا أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي عَدَمِهِ، أَوْ وَالِي الْمَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُجْبِي الزَّكَاةَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ رَفَعَتْ لِصَالِحِي جِيرَانِهَا لِيَفْحَصُوا عَنْ حَالِ زَوْجِهَا، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ تُثْبِتَ الزَّوْجِيَّةَ وَغَيْبَةَ الزَّوْجِ وَالْبَقَاءَ فِي الْعِصْمَةِ إلَى الْآنَ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَتَبَ كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي يَظُنُّ وُجُودَهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ وُجُودَهُ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ كَتَبَ إلَى الْبَلَدِ الْجَامِعِ، وَاسْتَصْوَبَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ أُجْرَةَ الرَّسُولِ الَّذِي يَفْحَصُ عَنْ الْمَفْقُودِ عَلَى الزَّوْجَةِ، فَإِذَا انْتَهَى الْكَشْفُ وَرَجَعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَخْبَرَهُ بِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى خَبَرِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ (يُضْرَبَ لَهُ أَجَلٌ) قَدْرُهُ (أَرْبَعُ سِنِينَ) لِلْحُرِّ وَسَنَتَانِ لِلْعَبْدِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ هَذَا التَّحْدِيدَ مَحْضُ تَعَبُّدٍ لَفِعْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَمَحَلُّ التَّأْجِيلِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ لِلْمَفْقُودِ مَالٌ تُنْفِقُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الْأَجَلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ لَكِنْ بَعْدَ إثْبَاتِ مَا تَقَدَّمَ، وَتُزِيدُ إثْبَاتَ الْعَدَمِ وَاسْتِحْقَاقَهَا لِلنَّفَقَةِ وَتَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ لَهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ نَفَقَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمَكِّنُهَا الْحَاكِمُ مِنْ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا بِأَنْ تُوقِعَهُ وَيَحْكُمَ بِهِ أَوْ يُوقِعَهُ الْحَاكِمُ، وَمِثْلُ الْمَفْقُودِ مَنْ عُلِمَ مَوْضِعُهُ وَشَكَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ يُرْسِلُ إلَيْهِ الْقَاضِي: وَإِمَّا أَنْ تَحْضُرَ أَوْ تُرْسِلَ النَّفَقَةَ أَوْ تُطَلِّقَهَا، وَإِلَّا طَلَّقَهَا الْحَاكِمُ، بَلْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَعَدِمَتْ النَّفَقَةُ قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهَا الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةٍ حَاضِرَةٍ لَا مَاضِيَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْتَدُّ عِدَّةَ طَلَاقٍ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ لِلْحُرَّةِ وَقُرْأَيْنِ لِلْأَمَةِ فِيمَنْ تَحِيضُ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرَّةِ وَالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَشْهُرِ.

ثُمَّ بَيَّنَ ابْتِدَاءَ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: (مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ) زَوْجَتُهُ (ذَلِكَ) أَيْ أَمْرَ زَوْجِهَا وَيُرْسِلُ الْحَاكِمُ فِي النَّوَاحِي لِلْكَشْفِ عَنْهُ.

(وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ) فَحِينَئِذٍ يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ الْأَجَلَ بِمُجَرَّدِ الرَّفْعِ بَلْ بَعْدَ تَمَامِ الْكَشْفِ، وَإِلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَالْوَلِيِّ وَوَالِي الْمَاءِ وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَيُؤَجَّلُ أَرْبَعَ سِنِينَ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا، وَالْعَبْدُ نِصْفُهَا مِنْ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ كَمَا يَأْتِي.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ تَرْفَعُ لَهُ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ خَلِيلٍ أَنَّهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ الثَّلَاثَةِ لَا تَرْفَعُ إلَّا لِلْقَاضِي لَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ رَفَعَتْ لِغَيْرِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّفْعِ لَهُ حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَإِنْ مَضَى مَا فَعَلَهُ إنْ كَانَ هُوَ الْوَالِي أَوْ وَالِي الْمَاءِ لَا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَأَمَّا لَوْ رَفَعَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ وُجُودِ الْوَالِي أَوْ وَالِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ مُضِيُّ فِعْلِهِمْ.

وَفِي السَّنْهُورِيِّ وَتَبِعَهُ اللَّقَانِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ الثَّلَاثَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ أَضْبَطُ، وَوُجُودُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ مَعَ كَوْنِهِ يَجُوزُ أَوْ يَأْخُذُ الْمَالَ الْكَثِيرَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فَتَرْفَعُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، لِوُجُوبِ لَوَازِمِ الزَّوْجِيَّةِ بِإِطَاقَتِهَا وَبُلُوغِ زَوْجِهَا وَتَمْكِينِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا مَرَّ.

الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ لِلْمَفْقُودِ زَوْجَاتٌ وَرَفَعَتْ وَاحِدَةٌ لِنَحْوِ الْقَاضِي، ثُمَّ رَفَعَتْ وَاحِدَةٌ أُخْرَى، فَإِنَّ الْأَجَلَ الْمَضْرُوبَ لِلْأُولَى يَكُونُ أَجَلًا لِلْبَاقِيَاتِ إنْ طَلَبْنَ الْفِرَاقَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالضَّرْبُ لِوَاحِدَةٍ ضَرْبٌ لِبَقِيَّتِهِنَّ.

(ثُمَّ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ بَعْدَ تَمَامِ الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ (تَعْتَدُّ) زَوْجَتُهُ (كَعِدَّةِ) زَوْجَةِ (الْمَيِّتِ) وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا لِلْحُرَّةِ، وَشَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ مَعَ أَيَّامِهَا إنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَيَلْزَمُهَا مَا يَلْزَمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ الْإِحْدَادِ.

زَمَنَ عِدَّتِهَا، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ عِنْدَ شُرُوعِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي زَمَنِ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَعِدَّةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ مَوْتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ وَسَقَطَتْ بِهَا النَّفَقَةُ وَلَا تَحْتَاجُ فِيهَا إلَى إذْنٍ وَلَيْسَ لَهَا الْبَقَاءُ بَعْدَهَا.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْعِدَّةِ (تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ) وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْبَقَاءُ فِي عِصْمَةِ الْمَفْقُودِ لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ لِغَيْرِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهَا فِي أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا إنْ قَدِمَ لِأَنَّهَا عَلَى حُكْمِ الْفِرَاقِ حَتَّى تَظْهَرَ حَيَاتُهُ، إذْ لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يُوقَفْ لَهُ إرْثٌ مِنْهَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَا لَوْ جَاءَ الْمَفْقُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ وَحُكْمُهَا حِينَئِذٍ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ، فَإِنْ جَاءَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَكِنْ عَلِمَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا الْمَفْقُودَ جَاءَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>