للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ

وَالطَّلَاقِ بِيَدِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ وَلَا طَلَاقَ لِصَبِيٍّ

وَالْمُمَلَّكَةُ وَالْمُخَيَّرَةُ لَهُمَا أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

ثُمَّ رَجَعَتْ الْأُولَى إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى الْخَالِيَةِ عَنْ الْمُحَرَّمِ فَلَا تَرْجِعُ الْحُرْمَةُ فِيمَنْ حَلَّتْ، كَمَا لَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ رَجَعَتْ الْمَأْسُورَةُ أَوْ رَجَعَتْ الْمَبِيعَةُ.

قَالَ الْحَطَّابُ: مَنْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أُمُّ وَلَدِهِ أَقَامَ عَلَى وَطْءِ الْأَمَةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا وَأُخْتَهَا ثُمَّ رَجَعَتَا إلَيْهِ جَمِيعًا وَطِئَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَطَأَ أُولَاهُمَا رُجُوعًا، وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ بَاعَ أَمَةً بَعْدَ وَطْئِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ حَتَّى اشْتَرَى الْمَبِيعَةَ لَمْ يَطَأْ إلَّا الزَّوْجَةَ، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْوَطْءِ فِي الْمِلْكِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ عَقَدَ فَاشْتَرَى فَالْأُولَى أَيْ مُتَعَيَّنَةٌ لِلْبَقَاءِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ وَطْءَ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِهِ تَحْرِيمُ الْمَوْطُوءَةِ عَلَى أَصْلِ الْوَاطِئِ وَفَرْعِهِ كَمَا يَحْرُمُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ وَطِئَ) مِنْ الْبَالِغِينَ (أَمَةً بِمِلْكٍ) وَلَوْ فَاسِدًا أَوْ تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا) وَإِنْ عَلَتْ (وَلَا ابْنَتُهَا) وَإِنْ سَفَلَتْ قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْبَالِغِ فَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ أُمَّ مَوْطُوءَتِهِ وَلَا ابْنَتَهَا لِلْقَاعِدَةِ، وَهِيَ أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ أَوْ التَّلَذُّذِ يُعْتَبَرُ فِيهِ بُلُوغُ الْوَاطِئِ، وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْعَاقِدِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.

(وَتَحْرُمُ) أَيْضًا تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ أَوْ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا (عَلَى آبَائِهِ) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمُرَادُ أُصُولُهُ وَإِنْ عَلَوْا (وَ) تَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى (أَبْنَائِهِ) الْمُرَادُ فُرُوعُهُ وَإِنْ سَفُلُوا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ بِالتَّلَذُّذِ بِالْمِلْكِ (كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ) أَيْ الْعَقْدِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] وَمَفْهُومُ وَطِئَ أَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الْمِلْكِ لَا يُحَرِّمُ أَصْلَ الْمَمْلُوكَةِ وَلَا فَرْعَهَا عَلَى أُصُولِهِ وَلَا عَلَى فُرُوعِهِ، بَلْ وَلَا تَحْرُمُ ذَاتُهَا عَلَى أَصْلِ الْمَالِكِ وَلَا عَلَى فَرْعِهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كَمَا قَدَّمْنَا.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْوَطْءِ بَلْ مُطْلَقُ التَّلَذُّذِ وَلَوْ بِالنَّظَرِ، كَمَا فُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ بِمِلْكٍ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بِزِنًا لَمْ يَحْصُلْ التَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الْمَمْلُوكَةِ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ الْحَرَامَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ مَجُوسِيَّةً، وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِ الْأُجْهُورِيِّ

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ: (وَالطَّلَاقُ) كَائِنٌ (بِيَدِ الْعَبْدِ) الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ أَمْضَاهُ لَهُ (دُونَ السَّيِّدِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَهُوَ الزَّوْجُ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَفَسْخُ نِكَاحِهِ بِيَدِ سَيِّدِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً، بِخِلَافِ الْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَيَتَحَتَّمُ عَلَى سَيِّدِهَا رَدُّ نِكَاحِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَبْدَ بِالْمُكَلَّفِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: (وَلَا طَلَاقَ) صَحِيحٌ (لِصَبِيٍّ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا بِحَيْثُ صَارَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ وَلَوْ بِأَكْلِ حَشِيشَةٍ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالْمُكْرَهِ وَلَا السَّكْرَانِ بِحَلَالٍ وَلَا الْكَافِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا يُطَلِّقُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلِيُّهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي طَلَاقِ الشَّخْصِ لَزَوْجَةِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَطَلَاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ أَيْ فَيَصِحُّ بِإِجَازَةِ الزَّوْجِ وَلَوْ كَانَ الْمُطَلِّقُ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ حَقِيقَةً الزَّوْجُ، وَلِذَلِكَ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ يَوْمِ إجَازَتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذُكِرَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَلِأَنَّ مَنْ طَلَّقَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِطَلَاقِهِ، وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَجْوِيزٍ، وَلِذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ الشَّخْصُ عَلَى طَلْقَةٍ فَأَوْقَعَ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى الْعِتْقِ فَطَلَّقَ أَوْ عَكْسُهُ وَعَلَى أَنْ يَهَبَ أَوْ يَبِيعَ الْبَعْضَ فَوَهَبَ أَوْ بَاعَ الْكُلَّ لَا يَلْزَمُهُ لِشَبَهِهِ بِالْمَجْنُونِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِكْرَاهِ كَوْنُهُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِوُقُوعِ الْمَخُوفِ بِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَقُدْرَةُ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ عَلَى فِعْلِ مَا خَوَّفَ بِهِ الْمُكْرَهَ بِالْفَتْحِ.

[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: تَوْكِيلٌ وَرِسَالَةٌ وَتَخْيِيرٌ وَتَمْلِيكٌ، فَالتَّوْكِيلُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْمُخَيَّرِ بَاقِيًا مَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ إنْشَائِهِ، فَلَهُ عَزْلُ الْوَكِيلِ مِنْهُ قَبْلَ إيقَاعِهِ اتِّفَاقًا، وَحَقِيقَةُ الرِّسَالَةِ جَعْلُ الزَّوْجِ إعْلَامَ الزَّوْجَةِ ثُبُوتَهُ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَا اثْنَيْنِ كَفَى أَحَدُهُمَا، وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِهِ حُصُولُهُ مِنْ الزَّوْجِ، وَحَقِيقَةُ التَّمْلِيكِ جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يُخَصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ، وَحَقِيقَةُ التَّخْيِيرِ جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ لِغَيْرِهِ ثَلَاثًا حُكْمًا، أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ فَقَالَ: (وَ) الْمَرْأَةُ (الْمُمَلَّكَةُ) أَيْ الَّتِي مَلَّكَهَا زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا تَمْلِيكًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ: مَلَّكْتُك أَمْرَك، أَوْ طَلَاقَك أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت (وَ) الزَّوْجَةُ (الْمُخَيَّرَةُ) أَيْ الَّتِي خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فِي اخْتِيَارِ نَفْسِهَا أَوْ الْبَقَاءِ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك،

<<  <  ج: ص:  >  >>