للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ حَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ.

وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ الثَّانِي، لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَيَظْهَرُ مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الضَّرَرِ الْحُرْمَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ مُولِيًا.

شَرَعَ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي يَضْرِبُ لَهُ وَيُطَلَّقُ عَلَيْهِ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُولِي (الطَّلَاقُ) إلَّا (بَعْدَ مُضِيِّ أَجَلِ الْإِيلَاءِ) الَّذِي ضَرَبَهُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ بَعْدَ إيلَائِهِ (وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ) ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، كَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُك فَوْقَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ إنْ احْتَمَلَتْ الْمُدَّةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَعَدَمَهَا، كَوَاللَّهِ لَا أَطَؤُك حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَجَلُ مِنْ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، لَا إنْ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ أَوْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ، فَمِنْ الرَّفْعِ وَالْحُكْمِ لِأَنَّهُ فِي الْأَجَلِ الَّذِي لَهَا الْقِيَامُ بَعْدَ مُضِيِّهِ.

(وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ) لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ (حَتَّى) تَرْفَعَهُ الزَّوْجَةُ، وَ (يُوقِفُهُ السُّلْطَانُ) أَوْ الْقَاضِي وَيَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ وَهِيَ الرُّجُوعُ إلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ وَعَدَ بِهِ أُمْهِلَ وَاخْتُبِرَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ طَلَّقَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعِدْ بِالْوَطْءِ بِأَنْ قَالَ بِلَفْظِهِ: لَا أَطَأُ وَلَا يُتَلَوَّمُ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَى الْوَطْءَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ، وَيُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ شَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِطَلَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ قَوْلَانِ، وَتَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لِمَا اُشْتُهِرَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى الْمُولِي وَالْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ رَجْعِيٌّ، وَفُهِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُولِي بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْبَقَاءِ وَالْفِرَاقِ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً، فَلَهَا إسْقَاطُ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أَمَةً يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا سَيِّدِهَا عِنْدَ إرَادَتِهَا الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] وَمَعْنَى فَاءُوا رَجَعُوا إلَى الْوَطْءِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ، وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِمُجَرَّدِ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِ الثَّيِّبِ، وَافْتِضَاضِ الْبِكْرِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ مَعَ جُنُونِ الرَّجُلِ لَا مَعَ إكْرَاهِهِ، فَلَا تَحْصُلُ بِوَطْئِهِ مُكْرَهًا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: وَطْءُ الْمُكْرَهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْتَفِي مَعَهُ قَصْدُ الضَّرَرِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حَتَّى يُوقِفَهُ السُّلْطَانُ لِلرَّدِّ عَلَى أَشْهَبَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ مُرُورِ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ وَالشَّهْرَانِ لِلْعَبْدِ، وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالْمَشْهُورِ بِمَا تُعْطِيهِ الْفَاءُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: ٢٢٦] فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَأَخُّرَ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فَتَكُونُ الْفَيْئَةُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُوقِفُ الْمُولِي إلَّا مَعَ عَدَمِ انْحِلَالِ الْإِيلَاءِ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَانْحَلَّ الْإِيلَاءُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَلَمْ يَعُدْ بِغَيْرِ إرْثٍ، وَكَتَعْجِيلِ الْحِنْثِ، وَتَكْفِيرِ مَا يُكَفَّرُ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِانْحِلَالُ فَلَهَا وَلِسَيِّدِهَا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْأَجَلِ بِالْفَيْئَةِ وَهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ إلَى آخِرِهِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّ الْمُولِيَ لَهُ أَجَلَانِ: أَحَدُهُمَا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ، وَالثَّانِي الَّذِي يَضْرِبُهُ الْحَاكِمُ لِلْمُولِي حِينَ إخْبَارِ الزَّوْجَةِ لَهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ

[الظِّهَار]

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْإِيلَاءِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الظِّهَارِ، وَعَرَّفَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَنْ تَحِلُّ أَوْ أَجْزَاءَهَا بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ جُزْئِهِ ظِهَارٌ، وَالْمُسْلِمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ، فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ ظِهَارٌ وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَيْنَا، بِخِلَافِ إيلَائِهِ فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الرَّفْعِ، وَالْمُكَلَّفُ يَشْمَلُ الْعَبْدَ وَالسَّكْرَانَ، وَتَذْكِيرُ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَحُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] إلَى قَوْلِهِ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، حَتَّى ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ حِينَ جَادَلَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي اللَّفْظِ الَّذِي جَادَلَتْهُ بِهِ فَقِيلَ: «إنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَكَلَ شَبَابِي وَفَرَشْت لَهُ بَطْنِي فَلَمَّا كَبِرَ سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي، وَلِي صِبْيَةٌ مِنْهُ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ فِي ابْنِ عَمِّك» فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١] إلَى قَوْلِهِ {تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: ١] أَيْ تَرَاجُعَكُمَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِيُعْتِقْ رَقَبَةً.

قَالَتْ: لَا يَجِدُ.

قَالَ: فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>