للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ أَوْ صَوْمٍ فَلْيَبْتَدِئْهَا.

وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ فِي الظِّهَارِ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَدْفَعُهُمَا بُرًّا إنْ اقْتَاتُوهُ أَوْ مُخْرَجًا فِي الْفِطْرِ فَعَدْلُهُمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا مِنْهُ الْإِطْعَامُ، لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ هُوَ الَّذِي يُخْرَجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، كَالشَّعِيرِ وَالْقَمْحِ وَالسُّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدَّخَنِ وَالتَّمْرِ، وَالْمُرَادُ بِعَدْلِهِمَا أَيْ فِي الشِّبَعِ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُدَّيْنِ الْكَائِنَيْنِ مِنْ الْبُرِّ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ فَيُقَالُ كَذَا فَيُخْرَجُ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، فَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ تِلْكَ الْأَمْدَادِ لِأَقَلَّ مِنْ السِّتِّينَ وَلَا لِأَكْثَرَ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ قَدْرُ مُدٍّ وَثُلُثَيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّ هِشَامٍ قَدْرُ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ: شَاهَدْت بِالْمَدِينَةِ مُدَّ هِشَامٍ وَحَقَّقْته فَوَجَدْته قَدْرَ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَقَلَ ذَلِكَ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ كَغَيْرِهَا لَا تَصِحُّ مُلَفَّقَةً كَصَوْمِ الشَّهْرِ وَإِطْعَامِ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا وَمِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ لَكِنْ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ وَلِمَنْ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ وَقَدْ الْتَزَمَ عِتْقَ مَنْ يَمْلِكُهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَصُومُ إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ يَضُرُّ بِسَيِّدِهِ مِنْ جِهَةِ خِدْمَتِهِ إنْ كَانَ عَبْدَ خِدْمَةٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ خَرَاجِهِ إنْ كَانَ عَبْدَ خَرَاجٍ، وَإِلَّا أَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى يَقْوَى عَلَيْهِ وَيَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْإِطْعَامِ جَازَ لَهُ التَّفْكِيرُ بِهِ، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: تَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ مَعْنَاهُ لَا الْعِتْقُ فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ بِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِطْعَامِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ جَوَازُ الْوَطْءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ: (وَلَا يَطَؤُهَا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُظَاهِرِ أَنْ يَمَسَّ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا وَلَوْ بِالْقُبْلَةِ.

(فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَحَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: حَتَّى يُكَفِّرَ حَتَّى تَتِمَّ الْكَفَّارَةُ، قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَ قَبْلَهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَلَا يَطَؤُهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ نَهَارًا، وَإِنْ كَانَ بِالصَّوْمِ فَلَهُ وَطْءُ غَيْرِهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ بِالنَّهَارِ صَائِمٌ (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَسَّ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَلَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ (فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] وَوُجُوبُ التَّوْبَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عَمْدًا لِأَنَّ الْإِثْمَ مَرْفُوعٌ عَنْ النَّاسِي، وَقَيَّدْنَا بِقَبْلِ الشُّرُوعِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ) لِلْمُظَاهَرِ مِنْهَا أَوْ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا. (بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ أَوْ صَوْمٍ) وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا يَسِيرًا، كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا، فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَبْتَدِئْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ وَلِبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَانْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِوَطْءِ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ وَإِنْ لَيْلًا نَاسِيًا، وَمِثْلُ وَطْءِ الْمُقَدَّمَاتِ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْآيَةَ فِيهَا الْمَسُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَطْءِ، كَبُطْلَانِ الْإِطْعَامِ وَيُفْطِرُ السَّفَرُ أَوْ بِمَرَضٍ هَاجَهُ، لَا إنْ لَمْ يُهِجْهُ فَلَا يُقْطَعُ كَالْفِطْرِ نِسْيَانًا أَوْ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ أَوْ ظَنِّ غُرُوبٍ، فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِالْوَطْءِ مُشْكِلٌ، لِأَنَّ سَبْقِيَّةَ بَعْضِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ جَمِيعِهَا وَقَدْ قِيلَ بِالْإِجْزَاءِ لَوْ تَقَدَّمَ الْوَطْءُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُمَاسَّةَ الَّتِي يُطْلَبُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا هِيَ الْمُمَاسَّةُ الْمُبَاحَةُ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٤] مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبَاحَ لَهُ الْمُمَاسَّةُ، وَالْمُمَاسَّةُ الْوَاقِعَةُ فِي خِلَافِ الْكَفَّارَةِ لَيْسَتْ مُبَاحَةً، فَاسْتُؤْنِفَتْ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِقَصْدِ كَفَّارَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى مُمَاسَّةٍ مُبَاحَةٍ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا فَلَا حَرَجَ فِيهِ حَيْثُ وَقَعَ فِي اللَّيْلِ وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَلَوْ عَالِمًا، كَمَا لَا يُبْطِلُهُ نَهَارًا مَعَ النِّسْيَانِ،

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ الْعُيُوبِ عَدَمُ إجْزَاءِ كُلِّ ذِي عَيْبٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ الْعَيْبُ الْفَاحِشُ لَا الْخَفِيفُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ) وَهُوَ مَا ذَهَبَ نُورُ إحْدَى عَيْنَيْهِ (فِي الظِّهَار) قَالَ خَلِيلٌ: وَيُجْزِئُ أَعْوَرُ وَمَغْصُوبٌ وَمَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ افْتَدَيَا وَذُو مَرَضٍ وَعَرَجٍ خَفِيفَيْنِ وَمَقْطُوعُ بَعْضِ أُصْبُعٍ، وَكَذَا مَقْطُوعُ بَعْضِ الْأُذُنِ أَوْ الْأَنْفِ، كَمَا يُجْزِئُ عِتْقُ الْغَيْرِ بِشَرْطِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَمِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ غَيْرُهَا، فَلَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: وَجَازَ، وَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَجَازَ مَالِكٌ عِتْقَ الْأَعْوَرِ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>