للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ رُؤْيَةُ الزِّنَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَاخْتُلِفَ فِي اللِّعَانِ فِي الْقَذْفِ.

وَإِذَا افْتَرَقَا بِاللِّعَانِ لَمْ يَتَنَاكَحَا أَبَدًا.

وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِمَشْرُوعٍ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فِي نَفْيِ حَمْلٍ) فَهُوَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ: وَاللِّعَانُ مَشْرُوعٌ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي نَفْيِ حَمْلٍ؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَحَدِ سَبَبَيْ اللِّعَانِ، وَيَصِحُّ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَلَوْ مَيِّتًا أَوْ مُتَعَدِّدًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ (يُدَّعَى قَبْلَهُ الِاسْتِبْرَاءُ) وَلَوْ بِحَيْضَةٍ، وَمِثْلُ الِاسْتِبْرَاءِ دَعْوَاهُ عَدَمَ وَطْئِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا الْحَمْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْمَنْفِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَ الْوَضْعَيْنِ مَا يَقْطَعُ الثَّانِيَ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: يُدَّعَى قَبْلَهُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَفْيُ حَمْلِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ إلَّا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرٍ قَوِيٍّ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ شَكِّهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى وَطْئِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ لِعَانُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي نَفْيِهِ عَلَى عَزْلِهِ، وَلَا عَدَمِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ، وَلَا سَوَادِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَبْيَضَ، وَلَا عَلَى كَوْنِهِ كَانَ يَطَؤُهَا بَيْنَ فَخِذَيْهَا حَيْثُ كَانَ يُنْزِلُ، وَلَا عَلَى وَطْءٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ حَيْثُ وَطِئَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبُلَّ حَتَّى وَطِئَهَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ الْمَنِيِّ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَأَشَارَ إلَى السَّبَبِ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) فِي دَعْوَاهُ (رُؤْيَةَ الزِّنَا) وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: رَأَيْت فَرْجَ الزَّانِي فِي فَرْجِهَا (كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ (فِي الْمُكْحُلَةِ) وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَصْفُهُ كَالشُّهُودِ بِأَنْ يَقُولَ: رَأَيْت فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتهَا تَزْنِي، قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الْبَصِيرُ زِنَاهَا لَاعَنَ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ يَكْفِي التَّيَقُّنُ وَلَوْ مِنْ الْبَصِيرِ، فَلَوْ قَالَ: أَوْ فِي الزِّنَا الْمُتَيَقَّنِ لَشَمِلَ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ حَتَّى فِي دَعْوَى الزِّنَا حَيْثُ تَيَقُّنِهِ بِحِسٍّ أَوْ جَسٍّ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُوهِمِ قَصْرَهُ عَلَى الْبَصِيرِ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُشْتَرَطُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ يَكْفِي التَّيَقُّنُ، وَإِذَا لَاعَنَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَنْتَفِي بِذَلِكَ اللِّعَانِ مَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عَنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدِ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا كَانَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَانْتَفَى مَا وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا لَحِقَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِاسْتِبْرَاءَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَيَنْتَفِي بِاللِّعَانِ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَ بَيْنَ اسْتِبْرَائِهِ وَوَضْعِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، وَأَمَّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا حَالَ اسْتِبْرَائِهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: شَرْطُ اللِّعَانِ بِالرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَطَأَهَا بَعْدَهَا، كَمَا أَنَّ شَرْطَهُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ الْمُبَادَرَةُ بِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: بِلِعَانٍ مُعَجَّلٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ وَطِئَ أَوْ أَخَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَضْعٍ أَوْ حَمْلٍ بِلَا عُذْرٍ امْتَنَعَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَطْءِ وَالتَّأْخِيرِ يَمْنَعُ اللِّعَانَ إذَا كَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا فَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ الْوَطْءُ لَا التَّأْخِيرُ.

الثَّانِي: شَرْطُ اللِّعَانِ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَأَنْ يَقْذِفَهَا صَرِيحًا، وَأَمَّا بِالتَّعْرِيضِ فَقَوْلَانِ، وَعَلَى عَدَمِ اللِّعَانِ يَحُدُّ، وَشَرْطُ لِعَانِهَا أَنْ لَا يَثْبُتَ غَضَبُهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَلَاعَنَا إنْ رَمَاهَا بِغَضَبٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَأَنْكَرَتْهُ أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَظْهَرْ وَإِلَّا الْتَعَنَ فَقَطْ.

الثَّالِثُ: اللِّعَانُ إنْ كَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَاعَنَ فِي الْحَمْلِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِدَعْوَى الزِّنَا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الدَّعْوَةِ أَوْ الرُّؤْيَةِ أَوْ التَّيَقُّنِ فِي الْعِدَّةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الرُّؤْيَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ مِنْ بَائِنٍ لَا إنْ ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَآهَا أَوْ تَيَقَّنَ زِنَاهَا فِي الْعِدَّةِ، وَأَحْرَى أَنَّهُ رَآهَا بَعْدَهَا فَلَا لِعَانَ وَإِنَّمَا يُحَدُّ فَقَطْ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ إمَّا نَفْيُ الْحَمْلِ أَوْ دَعْوَى رُؤْيَةٍ أَوْ تَيَقُّنُ الزِّنَا، أَشَارَ إلَى حُكْمِ الْقَذْفِ الْمُجَرَّدِ عَنْ دَعْوَى الرُّؤْيَةِ أَوْ التَّيَقُّنِ بِقَوْلِهِ: (وَاخْتُلِفَ فِي اللِّعَانِ) وَعَدَمِهِ (فِي الْقَذْفِ) الْمُجَرَّدِ عَنْ دَعْوَى الرُّؤْيَةِ أَوْ تَيَقُّنِ الزِّنَا أَوْ نَفْيِ الْحَمْلِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي حَدِّهِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ أَوْ لِعَانِهِ خِلَافٌ بِأَنْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَنَيْت، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِرُؤْيَةٍ أَوْ نَفْيِ حَمْلٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُلَاعَنُ وَالْأَكْثَرُ يُحَدُّ فَقَطْ

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا افْتَرَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بِاللِّعَانِ) مِنْهُمَا (لَمْ) يَحِلَّ لَهُمَا أَنْ (يَتَنَاكَحَا أَبَدًا) وَلَا بَعْدَ زَوْجٍ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُؤَيِّدُ تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ لِعَانُهَا بَعْدَ لِعَانِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ إعَادَتِهَا بَعْدَ لِعَانِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِلِعَانِهَا تَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا وَإِنْ مُلِكَتْ أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» .

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي، قَالَ: «لَا مَالَ لَك إنْ كُنْت صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ، وَأَبْعَدُ لَك مِنْهَا» قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: فَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ثُبُوتِ مَهْرِ الْمُلَاعَنَةِ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.

وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَبَدًا.

وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَحْصُلُ كَالْحُرْمَةِ إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمُقَابِلُهُ لِسَحْنُونٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ، وَيَنْبَنِي عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>