للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُوا فَالْعَصَبَةُ.

وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ النَّفَقَةُ إلَّا عَلَى زَوْجَتِهِ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً.

وَعَلَى أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ.

وَعَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَكُونُوا) أَيْ الْإِنَاثُ السَّابِقَاتُ اللَّاتِي لَهُنَّ الْحَضَانَةُ بَعْدَ أُمِّ الْمَحْضُونِ، وَلِذَا قَالَ بَعْدُ: الصَّوَابُ يَكُنْ بَنُونَ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ رَاعَى الْأَشْخَاصَ فَذَكَّرَ الضَّمِيرَ، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُقَدَّمْنَ فِي الْحَضَانَةِ لِرِفْقِهِنَّ (فَالْعَصَبَةُ) غَيْرُ الْأَبِ هُمْ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْحَضَانَةَ، وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْعَصَبَةِ الشَّامِلُ لِعَصَبَةِ الْوَلَاءِ، وَإِنْ قُدِّمَتْ عَصَبَةُ النَّسَبِ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ الْعَصَبَةِ بَعْدَ الْإِنَاثِ السَّابِقَاتِ حَيْثُ لَا وَصِيَّ، وَإِلَّا قُدِّمَ عَلَى الْعَصَبَةِ فِي الْإِنَاثِ الصِّغَارِ، وَفِي الذُّكُورِ مُطْلَقًا، وَلَهُ حَضَانَةُ الْإِنَاثِ الْكِبَارِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَوَاتُ مَحَارِمَ فَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي حَضَانَتِهِ لَهُنَّ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَالٍ، فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الشَّفَقَةِ فَهُوَ أَحَقُّ، وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُ الْوَصِيِّ وَصِيُّ الْوَصِيِّ، وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي، وَيُقَدَّمُ بَعْدَ الْوَصِيِّ أَخُ الْمَحْضُونِ، وَيُقَدَّمُ الشَّقِيقُ عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ لَا جَدٌّ لِأُمٍّ وَاخْتَارَ خِلَافَهُ، وَالْمُرَادُ ثُمَّ بَعْدَ الْوَصِيِّ الْأَخُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِخَلِيلٍ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ أَبُ الْأَبِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِهِ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَمَّا الْجَدُّ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ الْحَضَانَةُ عَلَى اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ.

وَاسْتَظْهَرَ فِي الشَّامِلِ أَنَّ مَرْتَبَتَهُ تَلِي مَرْتَبَةَ الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الْمُعْتِقُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَعَصَبَتُهُ مِنْ مَوَالِي النَّسَبِ، ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَهُوَ الْمُعْتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَصُورَتُهُ إنْسَانٌ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْحَضَانَةُ وَهُوَ مَوْلًى أَعْلَى فَوُجِدَ قَدْ مَاتَ وَلَهُ عَتِيقٌ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَنْتَقِلُ لِعَتِيقِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّقِيقَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ الشِّقَاقَةُ، ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ عَلَى ذِي الْأَبِ لَا فِي نَحْوِ الْوَصِيِّ وَلَا الْمَوْلَى.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَصَبَةَ بِقَوْلِنَا غَيْرِ الْأَبِ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَرْتَبَةَ أَبِ الْمَحْضُونِ قَبْلَ أَخَوَاتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي خَلِيلٍ، خِلَافًا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُوهِمِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَصَبَةِ الْمُؤَخَّرِينَ فِي الْمَرْتَبَةِ، كَمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا حَضَانَةَ لَهُ، إذْ جَعَلَ مَرْتَبَةَ الْعَصَبَةِ وَالِيَةً لِمَرْتَبَةِ الْإِنَاثِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْعَصَبَةِ وَيَلِيهِ الْإِخْوَةُ كَمَا ذَكَرْنَا تَبَعًا لِخَلِيلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

الثَّانِي: إذَا اجْتَمَعَ شَخْصَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَرْتَبَةِ قُدِّمَ مَنْ لَهُ صِيَانَةٌ وَشَفَقَةٌ عَلَى مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِوَصْفٍ قُدِّمَ صَاحِبُ الشَّفَقَةِ عَلَى ذِي الصِّيَانَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ قُدِّمَ بِالسَّوَاءِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْجَمِيعِ فَالظَّاهِرُ الْقُرْعَةُ.

١ -

الثَّالِثُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى شُرُوطِ الْحَاضِنِ، وَأَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَشَرْطُ الْحَاضِنِ الْعَقْلُ وَالْكَفَاءَةُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْمَحْضُونِ، فَالزَّمِنُ وَالْمُسِنُّ وَالْأَعْمَى وَالْأَخْرَسُ وَالْأَصَمُّ لَا حَضَانَةَ لَهُمْ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ نَحْوِ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ، لِمَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ مِثْلِ ذَلِكَ الْمَرَضِ الْمُتَّصِلِ بِصَاحِبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنْ الرُّشْدِ وَالضَّبْطِ بِحَيْثُ يَحْفَظُ مَا عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ الْحِفْظُ، وَيَكْتَفِي بِحَضْنِ حَاضِنِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَهُ حَاضِنٌ، وَعَدَمُ الْقَسْوَةِ فَمَنْ عُلِمَ مِنْهُ قِلَّةُ الْحَنَانِ وَالْعِطْفِ إمَّا لِطَبْعِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنِ أَبَوَيْ الْمَحْضُونِ قُدِّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَكَوْنُ الْمَكَانِ الَّذِي يَسْكُنُ فِيهِ الْحَاضِنُ حِرْزًا بِأَنْ لَا يُخْشَى عَلَى الْبِنْتِ الْفَسَادُ فِيهِ، وَكَذَا الذَّكَرُ إنْ كَانَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ أَيْضًا.

وَهَذَا يَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطَ أَمَانَةِ الْحَاضِنِ عَلَى الْمَحْضُونِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْحَاضِنِ الذَّكَرِ أُنْثَى تَحْضُنُ كَامْرَأَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الْأَزْوَاجِ يَسْتَأْجِرُهَا، أَوْ أَمَةٍ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِلْوَطْءِ، وَكَوْنُ الْأُنْثَى الْحَاضِنَةِ خَالِيَةً عَنْ دُخُولِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ بِهَا، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ لِمَنْ بَعْدَهَا، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالدُّخُولِ وَيَسْكُتَ الْعَامَ، وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ حَضَانَتُهَا، كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُحَرَّمًا لِلْمَحْضُونِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضَانَةٌ كَخَالَةٍ وَتَزَوَّجَ بِالْحَضَانَةِ غَيْرِ الْأُمِّ أَوْ كَانَ وَالِيًا لِلْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ، أَوْ كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْحَاضِنَةِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ، وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ الْحَضَانَةُ لِذَاتِ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُبَاشَرَةِ، فَمَنْ اتَّصَفَ بِضِدِّهَا سَقَطَ حَقُّهُ جُمْلَةً إلَّا الْقُدْرَةَ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ، فَالْحَاضِنُ الْمُسِنُّ لَوْ طَلَبَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحْضُنُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْأَجْذَمِ أَوْ صَاحِبِ الْقَسْوَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ.

الرَّابِعُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ يَقْبِضُ نَفَقَةَ الْمَحْضُونِ، وَاَلَّذِي يَقْبِضُهَا الْحَاضِنُ قَهْرًا عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَطْفَالَ لَمْ يَنْضَبِطْ لَهُمْ حَالٌ، وَلَكِنْ قَبْضُهَا مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ بِالسَّعَةِ وَعَدَمِهَا، فَتَكُونُ بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ، وَإِذَا ادَّعَى الْحَاضِنُ ضَيَاعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالسُّكْنَى تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَأُجْرَةُ مَحَلِّ الْحَاضِنِ عَلَى أَبِ الْمَحْضُونِ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَاضِنَةَ شَيْءٌ خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ، وَلَا تَسْتَحِقُّ الْحَاضِنَةُ شَيْئًا لِأَجْلِ حَضَانَتِهَا لَا نَفَقَةَ وَلَا أُجْرَةَ حَضَانَةٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ أُمَّ الْمَحْضُونِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ وَالْمَحْضُونُ مُوسِرٌ، وَإِلَّا وَجَبَ لَهَا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ مِنْ حَيْثُ فَقْرِهَا، وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[النَّفَقَةُ وَأَسْبَابُهَا]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْحَضَانَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ثَالِثِ الْأَبْوَابِ الَّتِي تَرْجَمَ لَهَا وَهُوَ بَابُ النَّفَقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>