للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا جُزَافٌ بِجُزَافٍ مِنْ صِنْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ.

وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَا يُنْقَدُ فِيهِ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ فَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ.

وَالْعُهْدَةُ جَائِزَةٌ فِي الرَّقِيقِ إنْ اُشْتُرِطَتْ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْبَلَدِ

[الْعُهْدَةِ]

فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْأَوْثَانُ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ وَيُغَالِبُهُ، وَفَسَّرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ، أَوْ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُبَاعُ جُزَافٌ) ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ (بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ، وَهَذَا أَحَدُ التَّفْسِيرَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يُبَاعُ (جُزَافٌ بِجُزَافٍ مِنْ جِنْسِهِ) ، وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ.

وَمِثَالُ الْأَوَّلِ: كَصُبْرَةِ قَمْحٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ مِنْ الْقَمْحِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: كَصُبْرَةِ قَمْحٍ غَيْرِ مَكِيلَةٍ بِأُخْرَى غَيْرِ مَكِيلَةٍ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ: وَكَمُزَابَنَةِ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ عَنْ بَيْعِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَابَنَةَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ، وَمِثْلُ الْجِنْسَيْنِ فِي الْجَوَازِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ إذَا دَخَلَتْ الصَّنْعَةُ الْقَوِيَّةُ فِيهِ.

فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ، أَوْ تَدْخُلُ فِيهِ صَنْعَةٌ سَهْلَةٌ كَقِطْعَةِ نُحَاسٍ جُعِلَتْ صَحْنًا أَوْ إبْرِيقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمَا تَدْخُلُهُ صَنْعَةٌ قَوِيَّةٌ وَلَوْ جُهِلَ قَدْرُهُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ بَيْعُ نُحَاسٍ بِتَوْرٍ وَلَا بِفُلُوسٍ؛ لِهَيِّنَةِ صَنْعَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالرِّبَوِيِّ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ، إلَّا أَنَّ الرِّبَوِيَّ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ وَعَدَمِهَا، فَإِنَّ الَّذِي يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عِنْدَ تَحْقِيقِهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمُزَابَنَةُ عِنْدَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْهُولَيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (إنْ كَانَ) مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُفَاضَلَةُ الْبَيِّنَةُ (مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَلَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، بَلْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ فَقَطْ، أَوْ لَا يَدْخُلُهُ رِبًا أَصْلًا كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ أَيْ رِبَا فَضْلٍ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا عِنْدَ تَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ فِي مُشَاهَدَتِهِ مَعَ شَرْطِيَّةِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ اللُّزُومِ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ) وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَمَّا عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِجِنْسِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ عَلَى يَوْمٍ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَ بِوَصْفِ بَائِعِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَاعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ وَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِغَيْبَتِهِ وَيَكْفِي غَيْبَتُهُ، وَلَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ وَلَا غَيْبَتُهُ عَنْ الْبَلَدِ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَبْعُدَ مَكَانُهُ جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَبِيعٍ عَلَى اللُّزُومِ، وَمِثْلُ غَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ حُضُورُهُ بِهِ حَيْثُ كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ فَسَادٌ. وَأَمَّا الْحَاضِرُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَا مَشَقَّةَ وَلَا فَسَادَ فِي رُؤْيَتِهِ فَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْ رُؤْيَتِهِ حَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَنْ يَكُونَ بِوَصْفِ غَيْرِ الْبَائِعِ إنْ اشْتَرَطَ نَقْدَ الثَّمَنِ فِيهِ، وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ بِوَصْفِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي يَعْرِفُ مَا يُوصَفُ لَهُ مَعْرِفَةً تَامَّةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَكَانَهُ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ.

(وَ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ أَيْضًا أَنْ (لَا يُنْقَدَ فِيهِ) الثَّمَنُ (بِشَرْطِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ عَلَى الصِّفَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ كَيَوْمَيْنِ ذَهَابًا حَيْثُ لَا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا (أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ) ، وَهُوَ الْعَقَارُ (مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ فَيَجُوزُ) اشْتِرَاطُ (النَّقْدِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا يَقْرُبُ مَكَانُهُ أَوْ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ.

وَقَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ أَيْ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ بِاللُّزُومِ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ تَطَوُّعًا، وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ وَصْفِ الْبَائِعِ وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ فِي الْعَقَارِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ مَكَانُهُ، وَأَمَّا مَا بِيعَ عَلَى الْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٍ وَكِرَاءٍ ضَمِنَ وَسَلَّمَ بِخِيَارٍ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الْغَائِبِ مَا يُبَاعُ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ، وَهَذَا جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا مَشَقَّةَ فِي رُؤْيَتِهِ أَوْ كَانَ بَعِيدًا جِدًّا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يُقَالُ: شَرْطُ الْبَيْعِ عِلْمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ زَمَنَ الْعَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>