للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَلُ السَّلَمِ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَمَنْ أَسْلَمَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقْبِضُهُ بِبَلَدٍ أَسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ أَجَازَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْحِنَّاءِ، وَلَا نَحْوِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا الْمُقْتَضِي لِتَعْيِينِهَا الْمُوصِلِ إلَى السَّلَمِ فِي مُعَيَّنٍ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) . ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عُقِدَ السَّلَمُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ يَكُونُ الْعَقْدُ بَاطِلًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يُفْصَلُ فِي مَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّارِعِ أَوْ الْعَادَةِ عَيَّنَ شَيْئًا خَاصًّا أَوْ لَا. فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الْأَوَّلِ وَيَفْسُدُ فِي الثَّانِي.

(وَ) مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَعْقِدَاهُ عَلَى (أَجَلٍ مَعْلُومٍ) فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُّ وَلَا الْمُؤَجَّلُ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْأَجَلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَاشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ مِنْهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَالْأَجَلُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ.

(وَ) مِنْ الشُّرُوطِ (تَعْجِيلُ) جَمِيعِ (رَأْسِ الْمَالِ) فِي حَضْرَةِ الْعَقْدِ (أَوْ) أَيْ وَيَجُوزُ (أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى مِثْلِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ) تَأْخِيرُ تِلْكَ الْمُدَّةِ (بِشَرْطٍ) ؛ لِأَنَّ مَا قُبِضَ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامِ فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ حَيْثُ حَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا جَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِقَبْضِ الْبَعْضِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

قَالَ خَلِيلٌ: شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلَاثًا وَلَوْ بِشَرْطٍ، وَفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا تَرَدُّدٌ وَالرَّاجِحُ الْفَسَادُ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ أَجَلُ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَجَلُ السَّلَمِ عَلَى أَقَلَّ بِأَنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُقْبَضُ فِي غَيْرِ بَلَدِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَبْضُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ بِالْقُرْبِ بِأَنْ لَا يُؤَخَّرَ أَكْثَرَ مِنْ كَالْيَوْمِ، وَهَذَا أَيْضًا فِي رَأْسِ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا يَأْتِي. وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا لَجَازَ تَأْخِيرُهُ وَلَوْ إلَى أَجَلِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلَا شَرْطٍ أَيْ وَأَمَّا بِالشَّرْطِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْعَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَرَضًا فَقِيلَ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهُمَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ مَعَ كَيْلِ الطَّعَامِ، وَإِحْضَارِ الْعَرَضِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ مَعَهُمَا وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهِمَا، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِظَاهِرِ خَلِيلٍ.

[أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ]

وَلَمَّا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الشُّيُوخِ فِي أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَارَهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) أَقَلُّ (أَجَلِ السَّلَمِ أَحَبُّ إلَيْنَا) عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ (أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فَأَكْثَرَ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا أَقَلَّ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ يُقْبَضُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: وَأَنْ يُؤَجَّلَ بِمَعْلُومٍ زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ، فَذَكَرَ لَفْظَ زَائِدٍ تَأْكِيدًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أَقَلَّ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ مُخْتَارُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَإِنَّمَا حَدَّ أَقَلَّ الْأَجَلِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ زَمَنٍ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا وَيَتَمَكَّنُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَجَلِ فَمُنْتَهَاهُ مَا لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ الْبَائِعُ إلَيْهِ غَالِبًا، كَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ سِتِّينَ إنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ بِالْمَوْتِ.

(أَوْ) يَكُونُ الْأَجَلُ (عَلَى أَنْ يُقْبَضَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي الْأَجَلِ (وَإِنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْجِيلِ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُقْبَضُ بِبَلَدِ الْعَقْدِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ مُسْتَثْنِيًا مِنْ التَّحْدِيدِ بِنِصْفِ الشَّهْرِ: إلَّا أَنْ يُقْبَضَ بِبَلَدٍ كَيَوْمَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِصْفُ الشَّهْرِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَسَافَةَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ لَكِنْ بِشُرُوطٍ: أَنْ يَدْخُلَا عَلَى قَبْضِهِ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ. وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخُرُوجُ فَوْرًا وَيُخْرَجُ الْمُسَلَّمُ بِالْفِعْلِ. وَأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ بِغَيْرِ رِبْحٍ كَالْمُنْحَدَرَيْنِ.

فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَّا بِنِصْفِ الشَّهْرِ فَأَكْثَرَ، وَلَمَّا كَانَ التَّأْجِيلُ لِمَا يُقْبَضُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهُ أَقَلُّهُ نِصْفَ الشَّهْرِ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ ذَكَرَ بَعْضَهَا مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَسْلَمَ) غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ (يَقْبِضُهُ) أَيْ الْمُسَلَّمَ فِيهِ الْمَفْهُومُ مَنْ أَسْلَمَ (بِبَلَدٍ أَسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ أَجَازَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ) ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ فَقِيلَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالرَّاجِحُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ التَّحْدِيدِ بِنِصْفِ الشَّهْرِ إنْ كَانَ يُقْبَضُ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ يُقْبَضُ بِبَلَدٍ عَلَى مَسَافَةٍ كَيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَيَكْفِي مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ ضَعِيفٌ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ تَنْبِيهًا عَلَى الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَدَّرَ بِالرَّاجِحِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ الْأَجَلُ عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عِنْدَ اشْتِرَاطِهَا يَفْسُدُ عَقْدُ السَّلَمِ وَلَوْ كَانَ الْمَنْقُوصُ يَوْمًا خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ.

الثَّانِي: إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>