للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَيَاتِهِ وَتُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا لَهُ عَلَيْهَا خِدْمَةٌ وَلَا غَلَّةٌ.

وَلَهُ ذَلِكَ فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ

ــ

[الفواكه الدواني]

مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِلْوَلَدِ بَيْعُ مَنْ فِيهِ نَجَاحُهُمْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُمْ أَوْ غَيْرُهَا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ لَا يَبِيعَ أُمَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْعِ سِوَاهَا مَا يُعِينُهُ، ثُمَّ شَرَطَ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَرِثَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (وَلَهُ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ) وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ وَتَرَكَ مَالًا وَلَوْ كَانَ فِيهِ الْوَفَاءُ (وَرِثَهُ سَيِّدُهُ) الْمُرَادُ أَخْذُهُ سَيِّدَهُ مِلْكًا.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَرِثُ مِنْهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا، وَلَا أَوْلَادُهُ الْمُكَاتَبُونَ فِي كِتَابَةٍ أُخْرَى، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ وَالْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ، فَإِطْلَاقُ الْإِرْثِ عَلَى أَخْذِ السَّيِّدِ مَالَ عَبْدِهِ مَجَازٌ.

(تَتِمَّةٌ) تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ نُجُومَ الْكِتَابَةِ وَخَرَجَ حُرًّا ثُمَّ عُرِّضَ لِلْعِوَضِ اسْتِحْقَاقًا أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْتَمِرُّ وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ الْمَوْصُوفِ وَلَوْ مُقَوَّمًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ الْمُثْلَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا دَفَعَ شُبْهَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَهُ فِيمَا دَفَعَ شُبْهَةً وَإِلَّا رَجَعَ بِحَالِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ.

الثَّانِيَةُ: الْقَطَاعَةُ تُخَالِفُ الْكِتَابَةَ فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ، فَالْكِتَابَةُ الْمَالُ فِيهَا مُؤَجَّلٌ، وَالْقَطَاعَةُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ، وَلَهَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ ابْتِدَاءً عَلَى مَالٍ يُعَجِّلُهُ الْعَبْدُ لَهُ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يُكَاتِبَهُ ابْتِدَاءً عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ يَفْسَخُهُ فِي شَيْءٍ يُعَجِّلُهُ لَهُ وَحُكْمُهَا فِي تَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ كَالْكِتَابَةِ.

[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْكِتَابَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأُمُّ فِي اللُّغَةِ أَصْلُ الشَّيْءِ وَتُجْمَعُ عَلَى أُمَّاتٍ، وَأَصْلُ أُمٍّ أُمَّهَةٌ وَلِذَلِكَ تُجْمَعُ عَلَى أُمَّهَاتٍ، وَقِيلَ الْأُمَّاتُ لِلنَّعَمِ وَالْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَنْ لَهَا وَلَدٌ، وَهِيَ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ خَاصَّةٌ بِالْأَمَةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا، فَتَخْرُجُ الْأَمَةُ الَّتِي أَعْتَقَ سَيِّدُهَا حَمْلَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِأَبِي زَوْجِهَا فَإِنَّ حَمْلَهَا إنَّمَا جَاءَتْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ عِتْقِهِ عَلَى جَدِّهِ، وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ خَرَجَتَا بِقَوْلِهِ: مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ جَبْرًا مَا إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ حَمْلَ أَمَةِ عَبْدِهِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا حُرُّ حَمْلِهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا، لَكِنْ لَيْسَ الْعِتْقُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ، وَلِي فِي دُخُولِ هَذَا فِي الْحَدِّ بَحْثٌ لَا يَكْفِي، إذْ بَعْدَ فَرْضِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَطْءِ الْمَالِكِ لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ فَقَالَ: (وَمَنْ أَوْلَدَ) مِنْ الْأَحْرَارِ (أَمَةً) مَمْلُوكَةً لَهُ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ) وَحَيَاتِهَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الزَّوْجَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَحَلَّ لَهُمَا حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ إلَى أَنْ قَالَ كَالْمِلْكِ وَتَمَتَّعَ بِغَيْرِ دُبُرٍ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا مِمَّنْ قَتَلَهَا وَانْتِزَاعُ مَالِهَا مَا لَمْ يَمْرَضْ.

(وَ) يَجِبُ لَهَا أَنْ (تَعْتِقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ) وَتَقَدَّمَ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ وَلَوْ كَانَتْ وَفَاةُ سَيِّدِهَا بِقَتْلِهَا لَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ لِإِشْرَافِهَا عَلَى الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْمُدَبَّرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِتْقَهَا لَا يَرُدُّهُ الدَّيْنُ وَلَوْ كَانَ سَابِقًا وَتَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فِيهِمَا، وَمَحَلُّ عِتْقِهَا عَلَى سَيِّدِهَا كَوْنُهُ حُرًّا وَغَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ حِينَ الْوَطْءِ الَّذِي مِنْهُ الْوِلَادَةُ، فَإِنْ وَطِئَ الْمُفْلِسُ أَمَتَهُ الْمَوْقُوفَةَ لِلْبَيْعِ فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ لَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهَا، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَلَا يَرُدُّهَا دَيْنٌ سَبَقَ فِيمَنْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهَا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ عِتْقِهَا وَحُرْمَةِ بَيْعِهَا وَجَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» .

وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يُوَرِّثُهَا وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ. (وَلَا يَجُوزُ) لِمُسْتَوْلَدِهَا (بَيْعُهَا) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ اسْتَدَانَهُ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا التَّصَدُّقُ بِهَا، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فُسِخَ وَلَوْ أَعْتَقَهَا مُشْتَرِيهَا وَيُرَدُّ عِتْقُهَا وَتَرْجِعُ لِسَيِّدِهَا، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَمْ يَنْتَقِلْ، وَمَحَلُّ رَدِّ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لَهَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهَا، وَإِلَّا لَمْ يُرَدَّ عِتْقُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ أَمْ لَا، وَيَسْتَحِقُّ بَائِعُهَا ثَمَنَهَا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا الْمُشْتَرِي فَهَذِهِ تُرَدُّ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعِتْقِ فَيَمْضِي وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ، لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهَا الْعِتْقُ فَكَأَنَّهُ فِكَاكٌ مِنْهُ لَهَا بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَرَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِذَنْ فُسِخَ بَيْعُهَا فِيمَا يُفْسَخُ فِيهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا لَهُ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ خِدْمَتِهَا، هَكَذَا قِيلَ وَلِي فِيهِ وَقْفَةٌ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ بَائِعِهَا وَعَدَمِ انْتِقَالِ ضَمَانِهَا بِقَبْضِهَا وَرُجُوعِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ (لَهُ عَلَيْهَا خِدْمَةً) كَثِيرَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَأَمَّا مَا خَفَّ وَهُوَ مَا نَقَصَ عَمَّا يَلْزَمُ الْأَمَةَ وَفَوْقَ مَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ فَيَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>