للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ فِي أَصْلِ الْحُبُسِ شَرْطٌ فَيُمْضَى.

وَلَا يُبَاعُ الْحُبُسُ وَإِنْ خَرِبَ وَيُبَاعُ الْفَرَسُ الْحُبُسُ يُكْلَبُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

نَقْصِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ تَرَاضِيهِمْ عَلَى قَسْمِهِ ذَاتَه، وَمِنْهَا الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ إمَامٍ أَوْ مُؤَذِّنٍ أَوْ مُدَرِّسٍ إذَا أَخَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ شَرْعًا، كَالْإِمَامِ يَتْرُكُ الْإِمَامَةَ مُدَّةً وَلَمْ يُقِمْ نَائِبًا، أَوْ الْمُؤَذِّنِ أَوْ الْمُدَرِّسِ ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُعْزَلُ أَوْ يَسْتَمِرُّ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا زَمَنَ إخْلَالِهِ وَيُعْطَى مَا يُقَابِلُ عَمَلَهُ أَوْ لَا يُعْطَى شَيْئًا؟ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْقَوْمِ فِي ذَلِكَ، فَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْوَانْشَرِيسِيُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ وَلَا فِي نَظِيرِ مَا عَمِلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَمِلَ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ يَتَبَعَّضُ لَهُ الْعِوَضُ بِتَبْعِيضِ الْمَنْفَعَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ خَرَاجِيًّا أَوْ هِلَالِيًّا، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ أَيْضًا فَتْوَى بَعْضِ فُضَلَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ تَقَرَّرَ فِي وَظِيفَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّ لَهُ أَوْ لِمُوَرِّثِهِ بِقَدْرِ مَا بَاشَرَ، وَلَا يُعْطَى الْمُقَرَّرُ بَعْدَهُ إلَّا مِنْ يَوْمِ مُبَاشَرَتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ تَقْدِيرِهِ السَّابِقِ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْقِرَاءَةِ فِي سَبْعٍ أَوْ أَجْزَاءٍ يُقَصِّرُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَحْيَانَا أَوْ يَمُوتُ، فَإِنْ كَانُوا مُعَيَّنِينَ فَهُمْ كَالْأَجْزَاءِ لِكُلٍّ وَاحِدٌ أَوْ وَارِثُهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْطَ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ عَلَى مُتَوَلِّي أَمْرِ الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَنْ (يُؤْثِرَ فِي) قَسْمِ (الْحُبُسِ أَهْلَ الْحَاجَةِ) وَالْعِيَالَ عَلَى غَيْرِهِمْ (بِالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ أَوْ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ فَضَّلَ الْمَوْلَى أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالَ فِي غَلَّةٍ وَسُكْنَى بِاجْتِهَادِهِ، لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْإِرْفَاقُ وَالْإِحْسَانُ بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَسَدُّ خَلَّتِهِمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفَقْرِ أَوْ الْغِنَى فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَلَا يُفَضِّلُ فَقِيرًا عَلَى غَنِيٍّ، وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَلَا صَغِيرًا عَلَى كَبِيرٍ، وَيُعْطَى مِنْهُ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ، بِخِلَافِ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّمَا يُعْطَى مِنْهُ الْحَاضِرُ لَا الْغَائِبُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ كَمَا قَدَّمْنَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَعْنَى الْإِيثَارِ عَلَى مَعْنَاهُ التَّفْضِيلُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ عَلَى غَيْرِهِ، فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالثَّانِي.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَهُوَ الْأَحْسَنُ: بِخِلَافِ الْإِيثَارِ فِي الْوَصَايَا فَإِنَّهُ بِالزِّيَادَةِ لَا بِالتَّقْدِيمِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْوَصَايَا لَفَاتَ غَرَضُ الْمُوصِي بِسَبَبِ حِرْمَانِ الْبَاقِي بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ: الْمُبَدَّأُ فِي الْحُبُسِ أَهْلُ الْحَاجَةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ، فَلَا سُكْنَى لِلْأَغْنِيَاءِ مَعَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْإِيثَارِ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِيجَابِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ عِنْدَ فَقْدِ شَرْطِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إيثَارَ الْمُحْتَاجِ مُوَافِقٌ لِغَرَضِهِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ وُجُوبِ الْإِيثَارِ حَتَّى فِي السُّكْنَى خُرُوجُ مَنْ سَكَنَ فَقِيرًا ثُمَّ اسْتَغْنَى.

(فَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ) مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ ذَوِي الْعِيَالِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَصْلِ الْحُبُسِ شَرْطٌ) بِإِخْرَاجِ مَنْ اسْتَغْنَى (فَيُمْضَى) شَرْطُهُ وَيُعْمَلُ بِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَمْ يَخْرُجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي يُظَنُّ فِيهِ عَدَمُ رُجُوعِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَنْ سَافَرَ لِيَرْجِعَ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَحَلَّهُ إلَى أَنْ يَعُودَ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى الْعَوْدِ حَتَّى يَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْ عَوْدِهِ، هَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ كَالْمَغَارِبَةِ مَثَلًا، أَوْ عَلَى ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِوَصْفٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقِرَاءَةِ الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى الْمُلَازِمِ لِلْمُجَاوِرَةِ فِي الْأَزْهَرِ ثُمَّ سَكَنَ وَاحِدٌ بِوَصْفِهِ وَزَالَ وَصْفُهُ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ أَوْلَادِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ، وَالْحُكْمُ أَنَّ مَنْ سَكَنَ مِنْ أَهْلِ الْحُبُسِ وَمَعَهُ وَلَدُهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَكَّنِ الِانْفِرَادِ عَنْ أَبِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ بَلَغَ وَقَوِيَ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَمْ يَسْكُنْ كَالْكَبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَزَوَّجُ حَيْثُ ضَاقَ عَنْهُ مَسْكَنُ أَبِيهِ، وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا مَسْكَنَ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ فِي كَفَالَةِ الْأَبِ.

الثَّانِي: أَقَامَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَنْ مَاتَ وَغَابَ غَيْبَةَ انْتِقَالٍ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُ مَكَانَهُ، وَأَمَّا مَنْ سَافَرَ لِيَرْجِعَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، أَنَّ مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَقَامَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ أَوْ يَفْعَلُ شَيْئًا سِوَاهُ وَيَعُودُ إلَى مَحَلِّهِ بِالْقُرْبِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قِيَامُ الطَّالِبِ مِنْ دَرْسِ الْعِلْمِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُ إلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ حَيْثُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَكَانٌ مَعْلُومٌ، وَيُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى مَحَلٍّ مُبَاحٍ كَطَرِيقٍ أَوْ جُلُوسِ بَاعَةٍ فِي سُوقٍ وَأَخْذِ مَاءٍ مِنْ بِئْرٍ مُبَاحٍ.

[مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُحَرَّمُ أَنْ (يُبَاعَ) الْعَقَارُ (الْحُبُسُ وَإِنْ خَرِبَ) بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ.

قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يُبَاعُ الْعَقَارُ الْحُبُسُ وَلَوْ خَرِبَ، وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ كَانَ فِي بَقَائِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُرْجَى عَوْدُهُ، وَحَكَى عَلَى ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ وَلَا شَكَّ فِي مُخَالَفَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>