للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّخْلِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ غَلَّةُ الدُّورِ.

وَالْوَلَدُ رَهْنٌ مَعَ الْأَمَةِ الرَّهْنُ تَلِدُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ.

وَلَا يَكُونُ مَالُ الْعَبْدِ رَهْنًا إلَّا بِشَرْطٍ.

وَمَا هَلَكَ بِيَدِ أَمِينٍ فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ.

وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ.

يَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ.

وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ

ــ

[الفواكه الدواني]

ضَمَانِ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ: (وَضَمَانُ الرَّهْنِ) إذَا عَرَضَ لَهُ تَلَفٌ أَوْ ضَيَاعٌ (مِنْ الْمُرْتَهِنِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَيْ يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ كَحُلِيٍّ أَوْ ثِيَابٍ وَسَفِينَةٍ فِي حَالِ جَرْيِهَا. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ لَا إنْ كَانَ بِيَدِ أَمِينٍ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَغَيْرِ تَفْرِيطِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ أَوْ عَلِمَ احْتِرَاقَ مَحَلِّهِ إلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحَرَّقًا، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ يُغَابُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُرْتَهِنُ (مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) كَالْحَيَوَانِ وَلَوْ طَيْرًا وَكَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ قَبْلَ الْحَصَادِ وَالْقَطْعِ، وَكَسَفِينَةٍ فِي مِرْسَاةٍ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَلَفٍ أَوْ ضَيَاعٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ وَغَيْرُهُ لَا يَضْمَنُهُ الْعَمَلُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُؤْخَذْ لِمَنْفَعَةِ رَبِّهِ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ الْآخِذِ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ كَالْعَرَضِ، بَلْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَوَسَّطَ فِيهِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا الَّذِي يَضْمَنُهُ إنْ ضَمِنَهُ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ إنْ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ عِنْدَ دَعْوَى التَّلَفِ، أَوْ أَنَّهُ ضَاعَ عِنْدَ دَعْوَى الضَّيَاعِ، وَإِنَّمَا حَلَفَ مَعَ غُرْمِ قِيمَتِهِ مَخَافَةَ إخْفَائِهِ، وَإِذَا لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الضَّمَانِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ نُصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ.

الثَّانِي: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ غَايَةَ ضَمَانِ الرَّهْنِ، وَبَيَّنَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ إنْ قَبَضَ الدَّيْنَ أَوْ وَهَبَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُ لِرَبِّهِ أَوْ يَدْعُوَهُ لِأَخْذِهِ فَيَقُولَ اُتْرُكْهُ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ بَرَاءَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ضَاعَ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ رَبِّهِ، سَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اُتْرُكْهُ عِنْدَك أَمْ لَا، أَوْ دَعَاهُ لِأَخْذِهِ فَقَالَ لَهُ: اُتْرُكْهُ عِنْدَك فَضَاعَ فَضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ، لِأَنَّهُ صَارَ فِي الْحَالَتَيْنِ كَالْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَةُ مُصِيبَتُهَا بَعْدَ ضَيَاعِهَا مِنْ رَبِّهَا.

[مُسْتَحِقّ غَلَّةَ الرَّهْنِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُسْتَحِقِّ غَلَّةَ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ: (وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الرَّهْنِ) بَاقِيَةٌ (لِلرَّاهِنِ) وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً يَوْمَ عَقْدِ الرَّهْنِيَّةِ. (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ (غَلَّةُ الدُّورِ) لِلرَّاهِنِ وَكَذَا كِرَاءُ نَحْوِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ إدْخَالُ مَا ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ وَإِلَّا دَخَلَ.

وَلَمَّا كَانَ وَلَدُ الرَّهْنِ مُخَالِفًا لِغَلَّتِهِ قَالَ: (وَالْوَلَدُ رَهْنٌ مَعَ الْأَمَةِ الرَّهْنِ تَلِدُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ) وَمِثْلُ الْأَمَةِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَهَنَ أَمَةً حَامِلًا كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا وَمَا تَلِدُ بَعْدَ ذَلِكَ رَهْنًا مَعَهَا، وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ فِي الرَّهْنِيَّةِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ، وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْحَيَوَانِ، وَمِثْلُ الْوَلَدِ فِي الدُّخُولِ فِي الرَّهْنِيَّةِ الصُّوفُ التَّامُّ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ وَجَنِينٌ وَفَرْخُ نَخْلٍ لَا غَلَّةٌ وَثَمَرَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ أَنَّ الصُّوفَ التَّامَّ سِلْعَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَقْتَ الرَّهْنِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى إدْخَالِهِ فِي الرَّهْنِيَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: تَلِدُهُ تَحْمِلُ بِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ تَضَعُهُ لِدُخُولِ الْجَنِينِ يَوْمَ الرَّهْنِيَّةِ، وَإِنَّمَا احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تَلِدُهُ بَعْدَ الرَّهْنِيَّةِ عَنْ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْهَا قَبْلَ الرَّهْنِيَّةِ فَلَا يَدْخُلُ.

وَمِثْلُ الْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ فِي عَدَمِ الدُّخُولِ مَالُ الْعَبْدِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَكُونُ مَالُ الْعَبْدِ) الْمَرْهُونِ (رَهْنًا) مَعَهُ (إلَّا بِشَرْطِ) دُخُولِهِ فِي الرَّهْنِ فَيَدْخُلُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَكُونُ مَالُ الْعَبْدِ رَهْنًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُرْتَهِنُ، كَانَ مَالُهُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، وَمِثْلُ مَالِ الْعَبْدِ بِيضُ الطَّيْرِ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا بِالشَّرْطِ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَخْذَهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ إنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ لَا قَرْضٍ، وَاشْتِرَاطُهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ، لِأَنَّهُ تَارَةً يَشْتَرِطُ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَهَا مَجَّانًا، وَتَارَةً يَشْتَرِطُ أَخْذَهَا لِتُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ اُشْتُرِطَتْ لِتُحْسَبَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ يَدْفَعُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ لَهُ الرَّاهِنُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ شَيْئًا مُؤَجَّلًا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَ أَخْذَهَا مَجَّانًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ اشْتَرَطَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَعُيِّنَتْ مُدَّتُهَا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ امْتَنَعَ لِأَنَّهُ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ، كَمَا يَمْتَنِعُ أَخْذُهَا مَجَّانًا فِي دَيْنِ الْقَرْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ فِي عَقْدِهِ أَوْ تَطَوَّعَ بِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَلَّةٍ غَيْرِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا إلَّا مَجَّانًا وَلَا فِي الدَّيْنِ، لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَأَمَّا لَوْ بَدَا صَلَاحُهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ طَعَامًا وَالْمُؤَجَّرُ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا لَا مَجَّانًا لِأَنَّهُ هَدِيَّةُ مِدْيَانٍ؛ وَلَا مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ اقْتِضَاءِ طَعَامٍ عَنْ ثَمَنِ الطَّعَامِ، وَاقْتِضَاءِ طَعَامٍ عَنْ أُجْرَةِ الزِّرَاعَةِ، وَالْكُلُّ حَرَامٌ.

وَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ ضَمَانِ الرَّهْنِ كَوْنُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَا هَلَكَ) مِنْ الرَّهْنِ الَّذِي يُغَابُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>