للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكُلِّ حَالٍ.

وَالْعَارِيَّةُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَلَاكِهَا فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ.

وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَدِيعَةٍ ضَمِنَهَا.

وَإِنْ كَانَتْ دَنَانِيرَ فَرَدَّهَا فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

مَا يُوجِبُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ، وَكَرَاهَتُهَا حَيْثُ يَخْشَى مَا يُحَرِّمُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَخَبَرُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ وَمِنْ عَمَلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْخِيَانَةُ فَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَعَمَلِ الْفُسَّاقِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حُسْنِ الْإِيدَاعِ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ، وَالْمُودَعُ بِالْفَتْحِ، وَشَرْطُهُمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ فِي الْجُمْلَةِ لِيَشْمَلَ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَوَكَّلُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فَلَا يُودَعَانِ وَلَا يَسْتَوْدِعَانِ، لَكِنْ إنْ أَوْدَعَاك شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْك يَا رَشِيدُ حِفْظُهُ، وَإِنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُمَا فَأَتْلَفَا أَوْ فَرَّطَا لَمْ يَضْمَنَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا أَوْ فَرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ، وَالثَّالِثُ الشَّيْءُ الْمُودَعُ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ وَلَوْ عَقَارًا، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ شَرْطٌ وَقِيلَ رُكْنٌ رَابِعٌ وَهِيَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الْحِفْظِ وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ، حَتَّى لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَتَاعَهُ عِنْدَ جَالِسٍ رَشِيدٍ بَصِيرٍ سَاكِتٍ وَذَهَبَ الْوَاضِعُ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ حِفْظُهُ بِحَيْثُ يَضْمَنُهُ إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ حَتَّى ضَاعَ، لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا مِنْهُ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْمَنَ إنْ فَرَّطَ فَقَالَ: (وَالْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ مَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ (إنْ قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَيْك) يَا مُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ (صَدَقَ) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَصْدُقُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَحَلَفَ الْمُتَّهَمُ أَيْ الَّذِي يُظَنُّ فِيهِ التَّسَاهُلُ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنْ وَكَّلَ حَلَفْت يَا مُودِعُ إنْ حَقَّقْت عَلَيْهِ الدَّعْوَى كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا وَتُضَمِّنُهُ الْوَدِيعَةَ، وَهَذَا عَامٌّ فِي دَعْوَى الرَّدِّ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَدَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَلَا يَغْرَمُ إذَا نَكَلَ إلَّا بَعْدَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى مُودِعٍ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى فَلَا تُتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ اتَّهَمَ وَإِذَا نَكَلَ يَغْرَمُ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، وَمَحَلُّ تَصْدِيقِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ) بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الرَّدِّ لِلْقَاعِدَةِ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ دُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ عَلَى يَدِ بَيِّنَةٍ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى رَدِّهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ الْمَقْصُودَةِ لِلتَّوَثُّقِ هِيَ الَّتِي يَقُولُ مُشْهِدُهَا: اشْهَدُوا أَنِّي إنَّمَا أَشْهَدْت خَوْفَ دَعْوَى الرَّدِّ أَوْ الْجَحْدِ، وَأَمَّا إشْهَادُهَا خَوْفَ الْمَوْتِ أَوْ خَوْفَ دَعْوَى التَّلَفِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّوَثُّقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ قَصْدُ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ أَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَأَمَّا لَوْ أَشْهَدَ مِنْ قَصْدِهِ وَفِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهَا لِلتَّوَثُّقِ عِلْمُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودَعَ بِالْكَسْرِ قَصَدَ بِهَا التَّوَثُّقَ، وَأَمَّا لَوْ أَشْهَدَ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَنَّ عِنْدَهُ وَدِيعَةً لِزَيْدٍ مَثَلًا قَاصِدًا إشْهَادَهَا عَلَى قَبْضِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَإِشْهَادِهَا الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ كَإِشْهَادِهَا فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ.

(تَنْبِيهٌ) مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: رَدَدْتهَا عَلَيْك أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَدَدْتهَا لِوَالِدِك مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، لِأَنَّ دَعْوَى الرَّدِّ لِلْيَدِ الَّتِي لَمْ تَدْفَعْ لَا تَنْفَعُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِك، وَالضَّابِطُ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ إذَا كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ لِلْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَتْهُ أَوْ عَلَى وَارِثِهَا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الضَّمَانُ،

وَلَمَّا كَانَتْ دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ مُخَالِفَةٌ لِدَعْوَى الرَّدِّ قَالَ: (وَإِنْ قَالَ) مَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ (ذَهَبَتْ) أَوْ ضَاعَتْ أَوْ هَلَكَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنِّي فِي حِفْظِهَا

(فَهُوَ مُصَدَّقٌ) فِيمَا ادَّعَاهُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمَا أَوْ حَقَّقَ عَلَيْهِ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ الدَّعْوَى وَالْمُتَّهَمُ يَغْرَمُ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، وَفِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ لَا يَغْرَمُ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (بِكُلِّ حَالٍ) سَوَاءٌ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ أَمْ لَا، كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهَا أَمْ لَا.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا بِدَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ، أَوْ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهَا حَاضِرًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ هَلَكَتْ بِتَقْصِيرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُوبِ حِفْظِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي إتْلَافِهَا أَوْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا، وَنَظِيرُهَا فِي الضَّمَانِ مَعَ الْإِذْنِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اُقْتُلْنِي أَوْ اُقْتُلْ وَلَدِي، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: احْرِقْ ثَوْبِي وَاقْطَعْ يَدِي فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِذْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الْتِزَامُ حِفْظِهَا بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِذْنُ.

وَلَمَّا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>