للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُرَّتِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِهِ.

وَمَنْ اتَّجَرَ بِوَدِيعَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَالرِّبْحُ لَهُ إنْ كَانَتْ عَيْنًا.

وَإِنْ بَاعَ الْوَدِيعَةَ

ــ

[الفواكه الدواني]

تُخَالِفُ الْوَدِيعَةَ فِيمَا ذَكَرَ قَالَ: (وَالْعَارِيَّةُ) مُخَالِفَةٌ لِلْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يُصَدَّقُ فِي) دَعْوَى (هَلَاكِهَا) أَوْ ضَيَاعِهَا (فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ) مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ أَيْ مَضْمُونَةٌ، وَإِنَّمَا أَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ وَإِنْ قَدَّمَهَا فِي الْعَارِيَّةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَشْتَرِكُ فِيهِ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَدِيعَةٍ) بِأَنْ حَرَقَهَا أَوْ دَلَّ لِصًّا عَلَيْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (ضَمِنَهَا) لِصَاحِبِهَا وَمِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهَا إطْلَاقُ الْفَحْلِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا وَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَمِنْهُ نَقْلُهَا مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ أَوْ لَهَا وَلَكِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا نَقْلَ أَمْثَالِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا إنْ انْكَسَرَتْ فِي نَقْلِ مِثْلِهَا وَيَخْلِطُهَا إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ أَوْ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ حَيْثُ وَقَعَ الْخَلْطُ بِالْمِثْلِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْإِحْرَازِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ وَدِيعَةً إذْ غَيْرُهَا أَحْرَى فِي الضَّمَانِ بِالتَّعَدِّي مِنْ عَارِيَّةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهِمَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ التَّعَدِّي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِتْلَافِ خِلَافًا لِظَاهِرِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ مَتَى حَصَلَ الْإِتْلَافُ بِسَبَبِ مَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَهَا وَلَوْ خَطَأً.

قَالَ خَلِيلٌ: تُضَمْنَ بِسُقُوطِ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِنْ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ كَمَا قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الَّذِي يَأْتِي لِبَائِعِ الْفَخَّارِ وَيَقُولُ لَهُ: قَلِّبْ مَا يُعْجِبُك فَيَأْخُذُ شَيْئًا يُقَلِّبُهُ فَيَسْقُطُ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا عَلَى شَيْءٍ فَيُتْلِفُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَسْقُوطِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ السُّقُوطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ يَضْمَنُ بِبَعْثِهَا لِصَاحِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَضْيِيعٍ مِنْ الرَّسُولِ وَبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا وَبِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ بِهَا وَبِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ، أَوْ سَافَرَ بِهَا أَوْ يَسْتَعْمِلُهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَتَتْلَفُ، أَوْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِي مَحَلٍّ فَخَالَفَ وَوَضَعَهَا فِي مَحَلٍّ غَيْرِ حِرْزٍ لَهَا، أَوْ تَكُونُ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ إغْرَاءٌ لِلسَّارِقِ كَوَضْعِهَا فِي مَحَلٍّ عَلَيْهِ قُفْلَانِ.

الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِمَنْ عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ إيدَاعُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَمَانَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِمَّنْ اعْتَادَ الْإِيدَاعَ عِنْدَهُ كَزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَوْ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ عُذْرٌ يَقْتَضِي الْإِيدَاعَ عِنْدَ الْغَيْرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ عَلَى الْعُذْرِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: أَوْدَعْتهَا لِعُذْرٍ، كَمَا لَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا أَنِّي إنَّمَا أَوْدَعْتهَا لِعُذْرٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْعُذْرِ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا مِثْلِيًّا (دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) وَتَصَرَّفَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا. (فَرَدَّهَا فِي صُرَّتِهَا) الْمُرَادُ مِثْلُهَا (ثُمَّ هَلَكَتْ) بَعْدَ دَعْوَاهُ رَدَّهَا (فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِهِ) وَعَدَمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَجَمَاعَةٍ حَيْثُ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَدِيعَةِ مَكْرُوهًا بِأَنْ كَانَ مَلِيًّا حِينَ تَصَرُّفِهِ فِيهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُعْدَمًا لَحُرِّمَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّهَا، كَمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ الْمُقَوَّمَةِ كَعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: جَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ وَحَرَامٌ، فَالْجَائِزُ التَّصَرُّفُ بِالْإِذْنِ مُطْلَقًا، وَالْحَرَامُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ إذْنٍ حَيْثُ كَانَتْ مُقَوَّمَةً مُطْلَقًا أَوْ مِثْلِيَّةً وَهُوَ مُعْدَمٌ، وَإِذَا ادَّعَى رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي قِسْمِ الْمَكْرُوهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهَا لِيَدِ صَاحِبِهَا، وَلَا يَكْفِي شَهَادَتُهَا عَلَى رَدِّهَا إلَى مَوْضِعِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَرِئَ إنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْجَائِزُ وَالْمُحَرَّمُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالسَّلَفِ الْحَقِيقِيِّ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهِمَا لِيَدِ صَاحِبِهِمَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْمَالًا لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الرَّدِّ إلَى مَحَلِّ الْوَدِيعَةِ إلَّا فِي قِسْمِ الْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ قِسْمَيْ الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّ الْجَائِزَ وَالْمُحَرَّمَ صَارَا بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهِ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمَضْمُونَ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً، وَالضَّمَانُ لَهَا فِي ذِمَّةِ الْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُودَعُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَضْمَنُهَا فِي ذِمَّتِهِ أَيْضًا، لَكِنْ يَدْفَعُهَا مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ وَكَسْبِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ وَقَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ لَا فِي رَقَبَتِهِ، إلَّا أَنْ يُسْقِطَ سَيِّدُهُ عَنْهُ ضَمَانَهَا بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتهَا عَنْ عَبْدِي فَلَا يُتْبَعُ بِهَا وَلَوْ عَتَقَ لِأَنَّهُ عَيْبٌ أَسْقَطَهُ عَنْ عَبْدِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا هُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُمَا عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ قَبُولُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، اللَّهُمَّ أَنْ يَصُونَا بِهَا مَالَهُمَا فَيَضْمَنَانِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِمَّا صَوَّنَّاهُ لَا إنْ تَلِفَ مَا صَوَّنَّاهُ وَاسْتَفَادَا غَيْرَهُ.

[حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ اتَّجَرَ بِوَدِيعَةٍ) عِنْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (فَذَلِكَ) الِاتِّجَارُ (مَكْرُوهٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُحَرَّمُ تَسَلُّفُهُمَا كَالْمُقَوَّمِ مُطْلَقًا وَالْمِثْلِيِّ لِلْمُعْدَمِ، أَوْ يُكْرَهُ كَالْمِثْلِيِّ لِلْمَلِيءِ، لِلْفَرْقِ بَيْنَ السَّلَفِ وَالتِّجَارَةِ، بِأَنَّ الْمُتَسَلِّفَ قَصَدَ تَمَلُّكَهَا بِصَرْفِهَا فِي مَصَالِحِهِ، وَالْمُتَّجِرَ قَصَدَ تَحْرِيكَهَا لِيَأْخُذَ رِبْحَهَا وَيَحْبِسَ رَأْسَ الْمَالِ لِصَاحِبِهِ.

(وَ) إذَا اتَّجَرَ الْوَدِيعَةِ فَ (الرِّبْحُ لَهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>