للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِبِلِ مِنْ الصَّحْرَاءِ وَلَهُ أَخْذُ الشَّاةِ وَأَكْلُهَا إنْ كَانَتْ بِفَيْفَاءَ لَا عِمَارَةَ فِيهَا.

[أَحْكَام الضَّالَّةِ]

وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكُلُّ مَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَالِ. (أَخَذَهَا) بِلَفْظِ الْمَاضِي أَيْ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَأَحْرَى لَوْ عَرَّفَهُمَا وَعَرَّفَ الْعَدَدَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَرُدَّ بِمَعْرِفَةِ مَشْدُودٍ فِيهِ وَبِهِ وَعَدَدِهِ بِلَا يَمِينٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا الْعِفَاصَ أَوْ الْوِكَاءَ فَقَطْ لَا يَأْخُذُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَأْخُذُهَا لَكِنَّ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ مُدَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْتِيَ مَنْ يَعْرِفُ الْوَصْفَيْنِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَاسْتُؤْنِيَ فِي الْوَاحِدَةِ إنْ جَهِلَ غَيْرَهَا لَا غَلِطَ بِأَنْ قَالَ: الْعِفَاصُ كَذَا فَيُوجَدُ بِخِلَافِهِ فَلَا تَدْفَعُ لَهُ، كَمَا لَوْ غَلِطَ فِي صِفَةِ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ: مُحَمَّدِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ يَزِيدِيَّةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَ بِعَدَدٍ فَيُوجَدُ أَقَلُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا لِاحْتِمَالِ اغْتِيَالِ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ غَلِطَ بِالنَّقْصِ أَيْ أَخْبَرَ بِهِ فَتُوجَدُ أَكْثَرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَفُهِمَ مِنْ تَعْوِيلِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِقَدْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ لَهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَك بِهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ» .

(فُرُوعٌ) : الْأَوَّلُ: لَوْ عَرَفَ شَخْصٌ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَرَفَ آخَرُ عَدَدَهَا وَوَزْنَهَا لَقُضِيَ بِهَا لِمَنْ عَرَفَهُمَا، لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ، كَمَا يَقْضِي لِمَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْعَدَدَ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ بِيَمِينٍ، وَكَذَا يَقْضِي بِهِمَا لِمَنْ عَرَفَ أَوْصَافًا يَقْوَى بِهَا الظَّنُّ عَلَى أَنَّهُ صَاحِبُهَا عَلَى مَنْ وَصَفَ أَوْصَافًا دُونَهَا.

الثَّانِي: لَوْ وَصَفَهَا ثَانٍ مِثْلُ أَوَّلٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْفَصِلْ بِهَا حَلَفَا وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ لَوْ انْفَصَلَ بِهَا انْفِصَالًا بَيِّنًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ وُصُولُ الْعِلْمِ لِلثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ.

الثَّالِثُ: لَوْ أَخَذَهَا شَخْصٌ بِالْوَصْفِ وَانْفَصَلَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى دَافِعِهَا لِلْأَوَّلِ وَتُنْزَعُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ لِلثَّانِي لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ.

الرَّابِعُ: لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْ شَخْصَيْنِ بَيِّنَةً فَتُعْطَى لِذِي الْبَيِّنَةِ الزَّائِدَةِ فِي الْعَدَالَةِ، فَإِنْ اسْتَوَتَا فِي الْعَدَالَةِ قُدِّمَتْ الْمُؤَرَّخَةُ أَوْ السَّابِقَةُ تَارِيخًا، وَإِنْ اسْتَوَتَا فِي الْجَمِيعِ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمَ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا عِفَاصَ لَهَا وَلَا وِكَاءَ، وَالْحُكْمُ أَنَّهَا تُدْفَعُ لِمَنْ يَأْتِي بِأَوْصَافٍ يَغْلِبُ مَعَهَا الظَّنُّ بِصِدْقِ الْآتِي بِهَا.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى اللُّقَطَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الضَّالَّةِ وَتَقَدَّمَ أَحَدُهَا بِأَنَّهَا نَعَمٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَأْخُذَ الرَّجُلُ) أَوْ الْمَرْأَةُ (ضَالَّةَ الْإِبِلِ مِنْ الصَّحْرَاءِ) وَلَوْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ أَوْ الْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ لِخَبَرِ: «دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ فَإِنْ تَعَدَّى وَأَخَذَهَا فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَتْرُكُهَا بِمَحَلِّهَا» . وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْخَائِنُ وَإِلَّا وَجَبَ الْتِقَاطُهَا، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ تَخْصِيصِ عَدَمِ أَخْذِهَا بِكَوْنِهَا فِي الصَّحْرَاءِ، لِأَنَّ الضَّالَّةَ فِي الْعُمْرَانِ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ الْخَائِنِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: التَّقْيِيدُ بِالصَّحْرَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ، وَلَا يَلْحَقُ بِضَالَّةِ الْإِبِلِ الْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي اللُّقَطَةِ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: اللُّقَطَةُ مَالٌ مَعْصُومٌ عُرِّضَ لِلضَّيَاعِ وَإِنْ كَلْبًا وَفَرَسًا. (وَلَهُ) أَيْ مُرِيدِ الِالْتِقَاطِ (أَخْذُ الشَّاةِ وَأَكْلُهَا إنْ كَانَتْ بِفَيْفَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ بِأَرْضٍ (لَا عِمَارَةَ فِيهَا) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِرَبِّهَا وَجَوَازُ ذَبْحِهَا وَأَكْلِهَا وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ سَوْقِهَا لِلْعُمْرَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهَا حَيَّةً لِلْعُمْرَانِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَاللُّقَطَةِ، وَأَمَّا لَوْ ذَبَحَهَا فِي الْفَيْفَاءِ وَلَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى دَخَلَ الْعُمْرَانَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهَا وَلَمْ يَكُنْ يَتَيَسَّرُ بَيْعًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ وَلَوْ بَقَرَةً وَشَاةً وَلَوْ بِفَيْفَاءَ أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ.

(تَنْبِيهٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَالَّةِ الْبَقَرِ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ السِّبَاعِ أَوْ الْجُوعِ فَإِنَّ حُكْمَهَا كَالشَّاةِ تُوجَدُ بِالْفَيْفَاءِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا فِيهَا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُمْكِنَ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ وَإِلَّا وَجَبَ فَلَيْسَتْ كَالشَّاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ سِبَاعٍ وَلَا جُوعٍ فَإِنَّهَا تُتْرَكُ فَإِنْ أَخَذَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْ السَّارِقِ وَإِلَّا وَجَبَ الْتِقَاطُهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ عِنْدَ خَوْفِ السَّارِقِ سِيَّانُ فِي وُجُوبِ الِالْتِقَاطِ وَيَفْتَرِقَانِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْجُوعِ أَوْ السِّبَاعِ، فَالْإِبِلُ تُتْرَكُ وَالْبَقَرُ يَجُوزُ أَكْلُهَا بِالْفَيْفَاءِ إنْ تَعَذَّرَ سَوْقُهَا لِلْعُمْرَانِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الصَّحْرَاءِ أَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالشَّاةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْعُمْرَانِ يَجِبُ الْتِقَاطُهَا عِنْدَ خَوْفِ الْخَائِنِ كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالطُّيُورِ وَالْعَرُوضِ وَالنُّقُودِ.

(خَاتِمَةٌ) أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى اللَّقِيطِ وَهُوَ صَغِيرُ آدَمِيٍّ لَمْ يُعْلَمْ أَبُوهُ وَلَا أُمُّهُ وَلَا رِقُّهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَقْطُهُ كِفَايَةً وَلَوْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ لَقْطُ طِفْلٍ نُبِذَ كِفَايَةً، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ كَوْنُ الْوَاجِدِ رَجُلًا رَشِيدًا أَوْ حُرَّةً خَالِيَةً مِنْ الْأَزْوَاجِ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا الرَّقِيقُ وَلَوْ مُكَاتَبًا فَلَا يُلْتَقَطُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَيَجِبُ عَيْنًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>